الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

الحلقة الأولى مصطلح الأمة في القرآن الكريم الشيخ والمفكر الاسلامي محمد حسني البيومي الهاشمي

مصطلح الأمة في القرآن الكريم

الشيخ والمفكر الاسلامي

محمد حسني البيومي الهاشمي

الحلقة الأولى

في مدخل المبحث نؤكد أن مفهوم مصطلح الأمة :

هو التعبير عن حقيقة وجوهر الإصطفاء الإلهي للطليعة القيادية الشاهدة على الناس .. والقرآن الكريم حين يطرح الأمة كمصطلح فإنه يطرح في سياقها وظيفة هذه الأمة كمرشدة حكيمة وطليعة راعية .. وكيف يناط بأمة للشهادة على الناس لا تكون مصطفاة مختارة من الله .. فالشاهد في الخلق سيد الخلق أجمعين .. والشهود في الأمم الأنبياء (عليهم السلام ) وفي الأمة المحمدية .. الشهود ش والقرآن يرسم الصورة جلية واضحة لمفهوم الأمة كما يرسم محدداتها .. وفي قول الحق في علاه :

{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران : 104 ..

فقوله تعالى :

” ولتكن ” مفهومها الكينونة من عالم الإرادة والاستمرار والأمر ..

وقوله تعالى : ” منكم ” أي من المسلمين وهم المحددين بصفة للاعتراف بشرعية الحالة المؤمنة القائدة : ” الذين أمنوا ”

.. وحتى تكون الطائفة المؤمنة مرجوة ولها المقام المحمود الإيمان لزم أن تكون لها صفة أخرى وهم : ” وعملوا الصالحات ” : وهم في مبحثنا العترة النبوية المطهرة . وفي قوله تعالى : ” أمة ” أي أمة مختارة مصطفاة الإجماع عليها ليس خيارا بشريا كما سيجئ .. بل خيارها إلهيا ، فهم : ” أمة الله ” الشاهدة على الأمم ، وهم بحق ” شعب الله المختار” في الإصطفاء :

” واصطفا بني هاشم من قريش ، واصطفاني من بني هاشم ” (1)

(1) سنن الترمذي ج5/401 ط . دار الحديث القاهرة 1419 ــ 1999 رقم 3668

” إن الله اختارا لعرب فأختار منهم كنانة أو النضر بن كنانة , ثم اختار منهم قريشا، ثم اختار منهم بني هاشم ثم اختارني من بني هاشم “

(2)

2) طبقات ابن سعد: المجلد 1/17 ط دار الكتب العلمية بيروت = كنز العمال ج1/610 رقم 32119 ,32120

.. وهذا تدليل على الإصطفاء الخاص . وفي القرآن الكريم عرّفت بمصلحاتها المتعدد مثل : ” عباد لنا ” عبادي ، عبادنا .. وهي المنسوبة بمنسب الشرف الإلهي المقدس .. وفي قوله تعالى : “يدعون الى الخير ” أي يناط بهم تعليم الدين والتفسير والتأويل .. والخير الحق .. و كما في الحديث النبوي :

” علي مع الحق والحق مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ”

والعترة : الثقلين هم كما في مباحثنا أهل بيت النبوة المطهرين ..

فهم أمة الله المختارين الذين كساهم الله تعالى بكساء طهر جدهم المعظم

(صلى الله عليه وآله وسلم .. وفي قوله تعالى :

” ويأمرون بالمعروف ” أي عليهم مناط التكليف والقيادة العسكرية لجيوش المسلمين .. وفقها هذا يحتاج الى إمام مبين ظاهر ٌقد أحصى الله العليم فيه علمه وحكمته وكنزه .. والإمام هو قائد الأمة المنجاة و المصطفاة .. قال تعالى :

{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } : يس12

وفي التاريخ الذين قادوا الجيوش هم الأنبياء والأئمة عليهم الصلاة والسلام : ” أولوا العزم من الرسول ” وبعدهم ذريتهم من الأئمة المكرمين :

” وينهون عن المنكر ” أي يكافحون الطغيان والمفسدين .. وبهذا يكونوا حالة الشهادة والأمة الشاهدة في العالمين ..

وفي المصطلح : أمة جمعها أمم : والإمام المبين جمعه : أئمة .

وفي مختار الصحاح : ” أم الشيء أصله , و مكة أم القرى والأم الوالدة والجمع أمّات وأصل الأم: أمهة ، ولذلك تجمع على أمهات وقيل الأمهات للناس .

وقوله تعالى : ” هن أم الكتاب ” ولم يقل أمهات. والأمة : الجماعة . قال الأخفش : هو اللفظ الواحد وفي المعنى جمع ، وكل جنس من الحيوان أمة. وفي الحديث الشريف : ” لولا أن الكلاب أمة من الأمم لقتلتها” والأمة الطريقة والدين. يقال : فلان لا أمة له , أي لا دين له ولا نحلة .

وقوله تعالى : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }آل عمران110 .

قال الأخفش : يريد أهل مكة : أي كنتم خير أهل دين والأمة الحين قال تعالى :

” وادكر بعد أمة ” وقال تعالى :

{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }هود8 :

والأم بالفتح القصد , يقال أمة من باب رد وأممه تأميما وتأممه قصده , أمه أيضا شجه و آمة بالمد وهي الشجة التي تبلغ أم الدماغ حتى يبقى بينها وبين الدماغ جلد ورقيق و أم القوم في الصلاة يؤم مثل رد يرد إمامه و أتم به اقتدى والإمام الصقع من الأرض والطريق قال تعالى : “وإنهما لبإمام مبين ” والإمام الذي يقتدي به وجمعه أئمة وقرئ ” فقاتلوا أئمة الكفر ” وأئمة الكفر بهمزتين .. وتقول كان أممه أي قدامه وقوله تعالى : ” وكل شيئ أحصيناه في إمام مبين ” قال الحسن : في كتاب مبين وتأمم اتخذ أما . (3)

3) مختار الصحاح ج1/ 20 باب الألف ـ الناشر مكتبة لبنان ناشرون بيروت ط بيروت 1415 ــ 1995 :

يراجع في مبحثنا : الإمام المبين ــ كتابنا : أهل البيت في ظلال القرآن

11ــ الأمة الوسط الشاهدة:

قال تعالى :

{“ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} البقرة143

{ “ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً }النساء41

ويفاد مما جاء ذكره أن المقصود الإشارة للإمام وعلاقته بمصطلح الأمة فهو عليه السلام مناط الإقتداء وهو الصراط السوي الواصل عبر أبوابه الى الرضا الإلهي ورضا الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم .. قال النبي (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) : ” خير هذه الأمة النمط الأوسط يلحق بهم التالي و يرجع إليهم الغالي ” والأمة هنا : القيادة المتوسطة للجماهير المؤمنة ولا يرجع ولا يتمسك بهم إلا الغالي في عقيدته وانتماءه ، وهو من والى الله ورسوله وعترته وهم في المصطلح القرآني ” أولوا الأمر منكم “ يجيئون نيابة وورثاء وأوصياء عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه وآله المطهرين وهو قوله تعالى كما بيناه : ” ولتكن منكم أمة” أي من الأمة المحمدية .. وهو القائد المحمدي النسل ومناط الشرف الاصطفائي ” واصطفا بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم ” الحديث . وهذا ما يلزم جماهير الأمة أن يكون وسطها أمة : أي قائد وريث للدين والشريعة والمثال الشرعي في ذلك هو أمير المؤمنين علي (عليه السلام ) قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله الطاهرين ):

” هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأسمعوا له وأطيعوا ” (1)

(1) تاريخ دمشق ج42/49 رقم 8381 = تفسير البغوي : معالم التنزيل ج4/278 ط دار الفكر بيروت 1405 = تفسير القمي : المجلد 2/124 ،125 ” سورة الشعراء = تفسير فرات الكوفي ص 300 ،301

والنمط الأوسط بعد القرآن في النص هم الثقلين ولا يلحق بهم إلا الغالي فهم الوصية و أهل الوصية بالدين ” كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ” الحديث (2)

(2) تاريخ بغداد ج10/470 = مسند أحمد بن حنبل رقم 21578 ، 21654 11104 ،11131 = إمتاع الأسماع ج5/378 =ج6/13 ،337، ج5/377

والأمة الوسط هم دائرة الاستقطاب النوراني وبوابة الهداية الروحية .. والمشار في الحديث فيه روح الإمام من الأئمة و آل البيت المطهرين وهم حجج الله في أرضه ” والتوسيط ” كما في مختار الصحاح .. ” أن يجعل الشئ في الوسط .. والتوسط بين الناس من الوساطة والوسط في كل شيئ أعدله ومنه قوله تعالى : ” وكذلك جعلناكم أمة وسطا ” أي عدلا وشيئ وسط أيضا بين الجيد والرديء وواسطة القلادة الجوهر الذي في وسطها وهو أجودها ” (3)

مختار الصحاح ـ المصدر ج1/740

و من يريد التقدم على آل البيت الطاهرين عليهم السلام كوسيط بين الأمة ور ب الأرباب ؟ بديلا عنهم فليبحث عن ذاته وهويته !! والأمة تدرك أن كل البدائل التي طرحت ذاتها عن العترة المطهرة هي في قاع التاريخ والذلة والانكفاء التاريخي.. فهم عليهم السلام الأمة العدل وهم كذلك أبواب العلم الإلهي وورثاء النبوة في كل أمر , وقد أحصى الله فيهم كل شيئ وهذا هو المفاد الحق الواضح فيما جاء في سورة ياسين ..

قوله تعالى

” وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } يس1

والإمام المبين كما بينا في المصطلح : الإمام الظاهر على العباد، وفيه قوله تعالى المشار للمهدي ” خليفة الله تعالى(عليه السلام )

” ليظهره على الدين كله ” وهو الإمام الوسط عليه السلام ..


. وهو لغة وتفسيرا الإمام

المقسط العادل .

ذذكر الطبري رحمه الله :” قوله تعالى :

{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا }

ققال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } : كما هديناكم أيها المؤمنون بمحمد عليه الصلاة والسلام وبما جاءكم به من عند الله فخصصناكم بالتوفيق لقبلة إبراهيم وملته وفضلناكم بذلك على من سواكم من أهل الملل كذلك خصصناكم ففضلناكم على غيركم من أهل الأديان بأن جعلناكم أمة وسطا وقد بينا أن الأمة هي القرن من الناس والصنف منهم وغيرهم وأما الوسط فإنه في كلام العرب الخيار يقال منه : فلان وسط الحسب في قومه أي متوسط الحسب إذا أرادوا بذلك الرفع في حسبه وهو وسط في قومه وواسط كما يقال : شاة يابسة اللبن ويبسة اللبن وكما قال جل ثناؤه فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا [ طه : 77 ]

وقال زهير بن أبي سلمى في الوسط : :

( هم وسط ترضى الأنام بحكمهم …

إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :

جعلناكم أمة وسطا } قال : عدولا و ..عن أشعث عن جعفر عن سعيد :

{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا }

قال : عدولا و.. عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله عز وجل :

{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا } قال : عدولا و .. عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله و.. عن قتادة قوله : { أمة وسطا } قال : عدولا و..عن معمر عن قتادة في قوله : { أمة وسطا } قال : عدولا و..عن ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله : { أمة وسطا } قال : عدولا و..عن عن ابن عباس :

{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا } يقول : جعلكم أمة عدولا و..عن حبان بن أبي جبلة يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم :

{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا } قال : الوسط العدل و .. عن ابن جريج عن عطاء و مجاهد و عبد الله بن كثير : { أمة وسطا } قالوا : عدولا قال مجاهد : عدلا .. قال ابن زيد : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } قال : هم وسط بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الأمم القول في تأويل قوله تعالى : { لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } قال أبو جعفر : والشهداء جمع شهيد فمعنى ذلك : وكذلك جعلناكم أمة وسطا عدولا لتكونوا شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ أنها قد بلغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها ويكون رسولي محمد صلى الله عليه وسلم شهيدا عليكم بإيمانكم به وبما جاءكم به من عندي ..و عن أبي صالح عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

[ يدعى بنوح عليه السلام يوم القيامة فيقال له : هل بلغت ما أرسلت به ؟ فيقول : نعم فيقال لقومه : هل بلغكم ؟ فيقولون : ما جاءنا من نذير ! فيقال له : من يعلم ذاك ؟ فيقول : محمد وأمته ] فهو قوله :

{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول

عليكم شهيدا }

حدثنا مجاهد بن موسى قال حدثنا جعفر بن عون قال حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه – إلا أنه زاد فيه : فيدعون ويشهدون أنه قد بلغ حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا مؤمل قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد : .عليكم شهيدا } بما عملتم أو فعلتم “..” ابن أبي نجيح عن مجاهد :

{ لتكونوا شهداء على الناس }

تكونوا شهداء لمحمد عليه السلام على الأمم اليهود والنصارى والمجوس ” … (4) 4) تفسير الطبري ج2/8 سورة البقرة 143 ” أمة وسطا “

{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } [ البقرة : 143 ]

فذهب ابن عباس إلى أن { الشاهدين } هم الشهداء في قوله : { لتكونوا شهداء على الناس } [ البقرة : 143 ] وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم

وإذا كان التأويل ذلك كان معنى الكلام :

{ يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين }

" الذين يشهدون لأنبيائك يوم القيامة أنهم قد بلغوا أممهم رسالاتك” (5)

(5) المصدر السابق ج5/6 قوله تعالى : ” فاكتبنا مع الشاهدين”

وقد أوضحنا أن الشاهدين هم الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) إذا ليس عقلانيا أن يشهد بين يدي الرسول (صلى الله عليه وآله الطاهرين )

من غير نفسه!! وهو (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) الذي أثبت في تبوك أن الذي يقضي عنه هو أو من يقوم مقام نفسه وهو أمير المؤمنين علي (عليه السلام )، فكيف الحال وهو أمر إلهي يوم الحساب والشهادة. (6).

(6) أنظر : تفسيرنا لسورة الشعراء = وكتابنا أهل البيت : الولاية التحدي المواجهة

وكذلك جعلناكم ” ومثل ذلك الجعل العجيب جعلناكم ” أمة وسطا ” خيارا وهي صفة بالاسم الذي هو وسط الشيء . ولذلك استوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث . ونحوه قوله عليه الصلاة والسلام : ” وأنطوا الثبجة ” يريد الوسيطة بين السمينة والعجفاء وصفا بالثج وهو : وسط الظهر إلا أنه ألحق تاء التأنيث مراعاة لحق الوصف . وقيل : للخيار : وسط لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والأعوار والأوساط محمية محوطة . (7)

7) الزمخشري : الكشاف ج1/8 قوله تعالى : ” لتكونوا شهداء على الناس “.

والأمة المحمدية المرادة من العترة المطهرة هم الشاهدون على الأمم والأنبياء : (عليه السلام ) شاهدون على أممهم والسر في شهادة أئمة آل البيت عليهم السلام هو أولا عظمتهم كمصطفين عند الله .. والثاني هو أن جماهير الأمم المكذبين تكذب أنبيائها بأنهم أوصلوا لهم الرسالات ، ورب سائل سؤال كيف يشهدون وهم لم يواكبوا الأمم والرد أولا أن أرواح الأئمة نورانية مخلوقة في العوالم وهي قبل الخلق نورا يسبح بحمد الرحمن .. والثانية هم قد عرفوا من محياهم وشهودهم أن التوراة والإنجيل موجودا واليهود والأمم تؤكد حقائق الرسالات والتنزيل ، وبهذا كانت شهادتهم نور فهم المطهرون وأصحاب الشفاعة كجدهم المصطفى (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) (8)

8) مبحثنا في المصطلح القرآني : المفرد ” نور “

وفي قوله تعالى في علاه :

{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ }النحل84

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89

هو الدلالة على دور الأمة الشاهدة المخصوصة ، فهم الأمة الوسط وأهل العدل والقسط والشهود .وقد قلنا أن الأمة الوسط والوسيطة المقسطة والشاهدة هم المنتجبين الأخيار من أئمة الهدى والعترة .. فهم المركز القلب وجماهير الأمة .. هم أمة الأمة مرحومون برحمتهم ومشفوعين بشفاعتهم لا يتقدم عليهم إلا هالك.. وقد جاء في الحديث :

” عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال ..

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لكم فرط وإنكم واردون علي الحوض عرضه ما بين صنعاء إلى بصرى فيه عدد الكواكب من قدحان الذهب والفضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين فقام رجل فقال : يا رسول الله وما الثقلان ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به لن تزالوا ولا تضلوا والأصغر عترتي وإنهم لن يفترقا حتى يردا علي الحوض وسألت لهما ذاك ربي فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تعلموهما فإنهما أعلم منكم ” (9)

” … ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال : من كنت أولى به من نفسي فعلي وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ” (10)

. فهم المنتزعون الشاهدون لخيار الله في علاه

{وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ }القصص 75

وهكذا نرى أن الأئمة هم الشهود الذين يدعون يوم المحشر للشهادة على أمتهم وجماهيرهم كما محبيهم وأعدائهم ، وهذا له مدلول الإثبات في قوله تعالى في علاه :

ققال تعالى :

{ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم }

وقد جاء في الحديث ” من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتتة جاهلية ” الحديث

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

[ من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية ]

أخرجاه وعن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول

[ من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ] (11)

11) صحيح مسلم المؤلف : مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري ، الناشر : دار إحياء التراث العربي – بيروت ج3/1476 رقم 1848 ط دار احياء التراث العربي

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية )

ققال أبو حاتم : قوله صلى الله عليه وسلم ( مات ميتة الجاهلية ) معناه : من مات ولم يعتقد أن له إماما يدعو الناس إلى طاعة الله حتى يكون قوام الإسلام به عند الحوادث والنوازل مقتنعا في الانقياد على من ليس نعته ما وصفنا مات ميتة جاهلية

قال أبو حاتم : ظاهر الخبر أن من مات وليس له إمام يريد به النبي صلى الله عليه وسلم مات ميتة الجاهلية لأن إمام أهل الأرض في الدنيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن لم يعلم إمامته أو اعتقد إماما غيره مؤثرا قوله على قوله ثم مات مات ميتة جاهلية ” (12)

(12) صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان : المؤلف : محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي ، ج10/434 رقم 4573 ـ مؤسسة الرسالة – بيروت: الطبعة الثانية ، 1414 – 1993 قال شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح

والإمام الظاهر المبين الشاهد هو أمير المؤمنين علي (عليه السلام ) والأئمة من ولده بعدة وإمام زماننا بلا جدال هو المهدي الموعود خليفة الله المتعالي . عن مجاهد عن ابن عمر : قال : بينما أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ظل المدينة وهو يطلب عليا رضي الله عنه إذا انتهينا إلى حائط فنظرنا فيه فنظر إلى علي وهو نائم على الأرض وقد اغبر فقال : ( لا ألوم الناس يكنونك أبا تراب ) فلقد رأيت عليا تغير وجهه واشتد ذلك عليه فقال :

( ألا أرضيك يا علي ؟ )

قال : بلى يارسول الله قال : ( أنت أخي ووزيري تقضي ديني وتنجز موعدي وتبري ذمتي فمن أحبك في حياة مني فقد قضى نحبه ومن أحبك في حياة منك بعدي ختم الله له بالأمن والإيمان ومن أحبك بعدي ولم يرك ختم الله له بالأمن والإيمان وأمنه يوم الفزع الأكبر ومن مات وهو يبغضك يا علي مات ميتة جاهلية يحاسبه الله بما عمل في الإسلام ” (13)

13) الطبراني المعجم الكبير: ج12/420 رقم 13549 ــ ج19/388 رقم 910 :الناشر : مكتبة العلوم والحكم – الموصل : الطبعة الثانية ، 1404 – 1983 تحقيق : حمدي بن عبدالمجيد السلفي

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله:

(ونزعنا من كل امة شهيدا)

يقول من كل فرقة من هذه الأمة إمامها

(فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا إن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون). (14)

1 14) تفسير القمي ج2/ ص 143 ، 144 ” سورة القصص = تفسير الصافي ج4/ 102 ” سورة القصص /75

ـ وفي لسان العرب .. ” ووسط الشيء ما بين طرفيه ” .. ” وأوسط المرعى وخياره ما دام القوم في خير فإذا أصابهم شيئ اعتزلهم وربط حجره أي ناحية منعزلا عنهم .. وجاء الوسط محركا أوسطه … ومنه الحديث : ” خيار الأمة أوساطها ” . ومنه قوله تعالى :

” {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ” الحج11

أي على شك فهو على طرف من دينه غير متوسط فيه ولا متمكن ، فلما أن كان أوسط الشيء أفضله وأعدله جاز أن يقع صفة وذلك مثل قوله تعالى وتقدس : “

{{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ

عَلَيْكُمْ شَهِيداً }البقرة143 ..

: أي عدلا فهذا تفسير الوسط ” وفي الحديث .. أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) وسط قوم أي بينهم ولما كانت بين ظرفا كانت وسط ظرفا ولهذا جاءت ساكنة الأوسط لتكون على وزانها . ولما كانت بين لا تكون بعضا لما يضاف إليها بخلاف الوسط الذي هو بعض ما يضاف إليه كذلك وسط لا تكون بعض ما تضاف إليه ، ألا ترى أن وسط الدار منها ووسط القوم غيرهم ؟” وفي التنزيل ” وكذلك جعلناكم أمة وسطا ” قال الزجاج فيه قولان : قال بعضهم وسطا عدلا وقال بعضهم خيارا واللفظان مختلفان والمعنى واحد لا، العدل خير والخير عدل . وقيل في صفة النبي (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) : أنه كان من أوسط قومه أي خيارهم تصف الفاضل النسب بأنه من أوسط قومه وهذا يعرف حقيقته أهل اللغة لأن العري تستعمل التمثيل كثيرا فتمثل القبيلة بالوادي والقاع وما أشبهه فخير الوادي وسطه فيقال هذا من وسط قومه ومن وسط الوادي وسرر الوادي وسرارته وسّره ومعناه كله من خير مكان فيه وكذلك النبي (ص) من خير مكان في نسب العرب وكذلك جعلت أمته وسط أي خيارا (15)

ل(15) لسان العرب ج7 / 426 الناشر : دار صادر بيروت ط1

قال الأصمعي :

أ أممته ” بالفتح .. وأممته .. بالشدة على الميم وتأممته وتيممته بمعنى واحد : أي توخيته وقصدته . قال : والتيمم بالصعيد مأخوذ من هذا وصار التيمم عند عوام الناس التمسح بالتراب والأصل فيه القصد والتوخي . قال الأعشى : تيممت قيسا وكم دونه من الأرض من مهمة . وقال اللحياني : أمد و يمد بمعنى واحد ” .. وكله من القصد لأن الدليل الهادي قاصد والأمة الحالة والأمة الدين . قال أبو إسحاق في قوله تعالى :

{{ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينان بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }البقرة213

: أي كانوا على دين واحد ” أي كانوا كفارا .. ” والأمة : الطريقة والدين , ويقال :

فلان لا أمّة له أي لا دين له ولا نجله . قال الشاعر : وهل يستوي ذو أمّة وكفور “

وقوله تعالى :

” كنتم خير أمة أخرجت للناس ” قال الأخفش : يريد أهل أمة أي خير أهل دين .. والإمة لغة في الأمة وهي الطريقة والدين والإمة النعمة ” وقال ابن برزخ قال ما أمك وأم ذات عرق أي أيهات منك ذات عرق والأمّ العلم الذي يتبعه الجيش : ابن سيدة ، والأمة السنة وتأمم به جعله أمة وأم ّالقوم وأمّ بهم تقدمهم وهي الإمامة والإمام كل من ائتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين ” قوله تعالى :

{{ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }الإسراء71

قالت طائفة بكتابهم وقالت ( يراجع في التفاسير : ياسين ) وقالت طائفة نبيهم وشرعهم .. وسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) إمام أمته وعليهم جميعا الإتمام بسنته التي مضى عليها ورئيس القوم أمّهم ــ ابن سيدة ــ والإمام ما ائتم به من رئيس وغيره والجمع أئمة . والجمع أئمة . وفي التنزيل العزيز :

أي قاتلوا رؤساء الكفر وقادتهم الذين ضعفاؤهم “

ققال و قد استخدم سيبويه القياس كثيرا ، قال و الأمة الإمام الليث , والإمّة الإتمام بالإمام يقال فلان أحق بإمة هذا المسجد من فلان أي بالإمامة . قال أبو منصور : الأمة الهيئة في الإمامة والحالة .. والأمة القرن من الناس يقال قد مضت أمم أي قرون وأمة كل نبي أرسل إليهم من كافر مؤمن ــ الليث ــ : كل قوم نسبوا الى نبي فأضيفوا إليه فهم أمته وقيل أمة محمد (ص) .

وقال الفراء في قوله عز وجل : ” إن إبراهيم كان أمة ” قال : أمّة معلما للخير ويروى عن النبي (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) ” يبعث يوم القيامة زيد بن عمرو بن نفيل أمة على حدة وذلك أنه كان تبرأ من أديان المشركين و آمن بالله قبل مبعث سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) .. قال : الأم: الرجل المتفرد بدين كقوله تعالى :

قال تعالى : ” إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }النحل120 (1)

(16) لسان العرب ج12/

2ــ الأمة النورانية المصطفاة

وفي العرض المتقدم نرى أن الأمة المعلمة للناس هم النبي وعترته عليهم السلام فهم الدائرة الأقدس والنازل فيهم كتاب الله المعظم :

{.. إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

.. وهم السادة وقرون الأمة وسادتها ولهم الإصطفاء بين العباد , وفي قوله

تعالى : {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران104..

وهم بالأدلة القاطعة الأمة والقيادة وبيت النبوة المختار ة وهم الوارد فيهم قول الله تعالى : ” أولئك هم المفلحون ” وهم الثقلين متوحدون بالقرآن وبالنبوة الحسنة على مستوى الوراثة والدم والنسب المشرف . وهم بهذا التصور الشرعي يشكلون حالة من التوحد النوراني الرباني النبوي وهم بهذا التشكيل إنما يحددون كأمة نورانية قادرة على الاستقطاب وتصدير حالة الثورة العلمية المستمرة وهم بالتالي يمكن وصفهم ” بالأمة النورانية ” كما سيجيء تبيانه في مبحثنا , وعن ابن عمر (رضي الله عنه) قال :

قال النبي (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) :

قال : إن الله خلق الخلق فجعلني في خير فرقتهم وخير الفريقين , ثم تخير القبائل فجعلني في خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نفسا

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله

” ان الله خلق خلقه فأختار منهم بني آدم فأختار بني آدم فأختار منهم العرب ، ثم اختارني من العرب ، فلم أزل خيار من خيار ألا من أحب العرب ، ثم اختارني من العرب ، فلم أزل خيار من خيار ألا من أحب العرب فبحبي ومن أبغض العرب فبغضي لهم ” (1)

(1) سيرة ابن هشام ج1/ 191 = النبهاني : الأنوار المحمدية ص12

أفي مقياس الحب للعرب : جوهر الإصطفاء الإلهي للنبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) , وعن واثلة بن الأسقع يقول :

” إن الله اصطفى من العرب كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ” (2)

2) صحيح مسلم ج4/1782 رقم الحديث 2276 ط ج دار إحياء التراث العربي بيروت : تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي = سيرة ابن هشام ج1/ 191

” وقال الإمام أحمد بن حنبل بسنده ..

عن ابن عباس (رضي الله عنهم الله عنه) بلغه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) على المنبر يقول :

“: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب :

” إن الله خلق الخلق فجعلني في خير قبيلة وجعلهم بيوتا فجعلني من خير فرقة وخلق القبائل فجعلني من خير قبيلة وجعلهم بيوتا فجعلني من خيرهم بيتا وخيركم نفسا ” صلوات الله عليهم أجمعين (3)

3(3) سيرة ابن كثير ج1/ 191

وعن ابن عباس قال : قال (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) :

” إن الله قسم الخلق أثلاثا فجعلني في خيرها ثلثا فذلك قوله تعالى : ” وأصحاب اليمين ” وأصحاب الشمال فأنا من أصحاب اليمين , ” و أنا خير أصحاب اليمين ، ثم جعل القسم أثلاثا فجعلني في خيرها ثلثا فذلك قوله : و أصحاب الميمنة ” و السابقون السابقون ، فأنا من السابقين وأنا خير السابقين. ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني ” خير قبيلة ” في خيرها قبيلة فذلك قوله تعالى : ” وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ” وأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله ولا فخر . ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا وذلك قوله تعالى :

{{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

ف( أنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب. )

وفي رد النبي (صلى الله عليه وآله الطاهرين )

على أقوام قال : ” ان الله خلق السموات سبعا فأختار العلياء منها فأسكنها من شاء من خلقه ثم خلق الخلق فأختار من الخلق بني آدم أختار من بني آدم العرب واختار من العرب مضر واختار من مضر قريش بني هاشم ثم اختار منهم بني هاشم ، ثم اختارني من بني هاشم ” (4)

(4) طبقات ابن سعد المجلد 17/ ط دار الكتب العلمية 1997 = كنز العمال ج11 / 610 رقم 32120 , 32119 ط مؤسسة الرسالة بيروت =

وعن ابن عمر (رضي الله عن قال رسول (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) :

” لما خلق الله الخلق اختار العرب ثم اختار من العرب قريشا ، ثم اختار من قريش بني هاشم ثم اختارني من بني هاشم فأنا خيرة من خيرة “ (5)

ر(5 ) رواه الحاكم في

ي المستدرك ج4/9

رقم الحديث 6996 ط دار الكتب العلمية بيروت ط 1/ 1411 ــ 1990 = سبيل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد : المجلد 1/ 299

فالاصطفاء لبني هاشم .. فهم المختارون المطهرون من الرجس والذين كانوا تحت الكساء بإجماع المفسرين وأهل الحديث هم النبي

(صلى الله عليه وآله الطاهرين )

وأمير المؤمنين (عليه السلام ) والسيدة فاطمة الزهراء والحسن والحسين عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين , فهم المطهرون وهم السادة الوارثين .. وهم الأمة المصطفاة .. وفيهم قول الحق تعالى : ” ولتكن منكم أمة ” أي بالمختصر الوافي هم القيادة الإلهية الوارثة للنبوة .

وفي سياق الأحاديث المشرفة الواردة في السياق نؤكد أن حالة الأمة المصطفاة قد تدرجت في سلم الإصطفاء الإلهي فكانت أمة العرب مختارة مصطفاة .. ثم يليها قريش فكانت أمة مصطفاة تم منها بنو هاشم وهم أمة الإصطفاء الخاتمة بالنور ونور النبوة .. ولما كانت كل أمة يتسلل إليها الانحراف فيكون الاستبدال عنها من خلال الاختيار الإلهي .. وبهذا الحال كانت الأمم والخلائق .. وبهذا نخلص أن المطهرين من بني هاشم كانوا يمثلون حالة الإصطفاء الرباني وخلاصة النور النبوي ..

وهم الأوصياء الوارثين لحركة الخلائق والأنبياء والأمم وفيهم ختم دوله العدل والقسط في زمن النهاية .. فهم المتوحدون بالقرآن والنور .. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ” تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ” الحديث

وفي رواية أخرى قال (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) :

( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعلي بن أبي طالب ” (عليه السلام ) (6)

(6) ذكره السيوطي : تاريخ الخلفاء ص 137

فهم الطريقة المهداة وهم أهل السبيل والصراط السوي المراد .

وفي تفسير البغوي : روى أمير المؤمنين علي (عليه السلام ) أن النبي (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) : يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على أمري هذا ويكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم , فأحجم القوم عنها جميعا فقلت : وأنا أحدثهم سنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه . قال : فأخذ برقبتي وقال :

” ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع “(7)

*********

تفسير البغوي : معالم التنزيل في التفسير والتأويل دار الفكر

1412 ــ 1992 ج4/ 278، 279

والحديث يؤكد امتداد وراثة النبوة في سياق أمة ربانية نورانية مصطفاة مخصوصة في الخلق .. فهو وذريته من الأئمة المطهرين الإثنى عشر عليهم السلام .. امتداد العترة النبوية العلوية المطهرة وأهل الكساء .. وهم أهل المباهلة والمقسم بهم أبو البشر آدم (عليه الصلاة والسلام ) بالغفران : قوله (عليه السلام ) : ” اللهم إني أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين .. ” (8)

(8) كنز العمال ج2/ 475 رقم الحديث 4237 = السيوطي : الدر المنثور ج1/ 147 ط دار الفكر بيروت 1993

وهم أهل الإصطفاء الهاشمي .. وأصلهم وأبوهم هو النبي المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) : ” أنا أبوهم وعصبتهم” .. ” و ” أنا وليهم وعصبتهم ” (9)

(9) الخطيب البغدادي ج11/ 285 ط دار الكتب العلمية بيروت = الصواعق المحرقة : ج2/ 455 ط 1/ 1997 .ص 156 ط مصر = أخرجه الطبراني في الكبير ج3/ 44/ رقم 2632 ط مكتبة العلوم والحكم : المصدر

وذكر القندوزي في ينابيع المودة :

أن الله جعل كل ذرية من صلبه ، وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالب ” (10)

10) ينابيع المدة ج2/ 8, 58 ط منشورات الأعلمي بيروت = أخرجه الطبراني في ترجمة الحسن بن علي : الكبير ج2/ 1404 ــ 1983

وهم الشاهدون بالحق على الحق .. وصدق النبي الأعظم (ص) في قوله : ” علي مع الحق والحق مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ” (11)

11) تاريخ دمشق ج42/ 249 = تاريخ بغداد ج14/ 320 ط دار الكتب العلمية بيروت ..

والحق لا يفترق عن الحق والعترة لا تفترق عن النبوة, وكما قال الزجاج لغة في قول الحق تبارك وتعالى :

{{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ

عَلَيْكُمْ شَهِيداً }البقرة143

أي عدلا .. وآل محمد الطاهرين هم الأمة الوسط والأمة العدل .. فهم في القرآن والتاريخ العادلون المقسطون ومنهم خاتم العدل في أرضه وخليفته تعالى منذ الأزل ختم الدين وختم الدنيا وختم النبوة في عالمية الشهادة .. ولا يقيم بالحق الشهادة إلا الشاهدون فهم الإصطفاء وقلب الدائرة .. وواسطة القلادة الجوهرة .. وهم القرن من الناس .. قال النبي (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) ” خير القرون قرني ” ثم الذين يلونهم. ثم الذين يلونهم. ثم الذين يلونهم ثم يأتي بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ” (12)

12) أخرجه الشيخان : البخاريج2/ 938 رقم 2508, 2509 ط دار ابن كثير ــ اليمامة ــ بيروت ط3/ 1407 ــ 1987 = كتاب : الجامع الصحيح سنن الترمذي المؤلف : محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي ، الناشر : دار إحياء التراث العربي – بيروت

ثم يجيء قوم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها. وعند ابن حيان : ” ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل على يمين قبل أن يستحلف ويشهد على الشهادة قبل أن يستشهد “ (13)

13) الموطأ ج3/ 295 رواية محمد بن الحسين : الناشر دار القلم دمشق ط1/ 1413 ــ 1991 تحقيق تقي الدين النبوي = صحيح مسلم ج4/ 1962 ط دار إحياء التراث العربي بيروت

وفي رواية أوضح : ” خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم “

(14)

14) حلية الأولياء ج/2/ 78 الناشر دار الكتاب العربي ط4/ 1405

وعن وهب عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهم الله عنه)عن رسول الله

(صلى الله عليه وآله الطاهرين ) قال :

” خير القرون القرن الذي أنا فيهم ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع لا يعبأ به شيئا ” (15)

15) من حديث الأعمش حلية الأولياء ج4/ 172 نفس الطبعة .= كنز العمال ج11/ 745 رقم 32496

ويفهم من الحديث أن خير القرون وهم السادة من آل البيت عليهم السلام هو قرن النبي (صلى الله عليه وآله الطاهرين )

وهو أمير المؤمنين علي (عليه السلام ) وهو نفس رسول الله وبمقام الرأس

في جسد النبي الأعظم كما جاء في الحديث :

” علي مني مثل رأسي في بدني ” (16)

(16) ابن المغازلي الشافعي ” : مناقب الإمام علي (ع) ص 123 رقم 135 ط دار الأضواء بيروت 1412 ــ 1992

وأبناء النبي وأعمامه عليهم السلام هم السادة من آل البيت وهم كما في الحديث النبوي : ” نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحدا “ (17)

، ومعهم من والاهم من الصحابة الأبرار وهم يمثلون بالكلية مفهوم ” الأمة الداعية بالمعروف والناهية عن المنكر , والقرن الذي يليهم بالتدرج في الحديث هو خاص بنفس مفهوم الأمة : لأن جملة الأحاديث تتكلم عن وضعية دموية وانقلاب على النبي وآل بيته المطهرين (عليهم السلام ) وتكلم النبي (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) عن حالة انقلاب جذرية ملكية كسروية علي خيار العترة النبوية والحالة الشورية التي عاشها الصحابة الأبرار في الدولة الإسلامية !! هذا ما يؤكد وجهتنا في تحديد مفهوم الأمة في المصطلح القرآني . والعرب لغة كانت تطلق كما أشار لذلك علماء اللغة الى سيد الأمة بالقرن والنبي (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) وكما أجداده هم دائرة الإصطفاء و الأمة الوسط. وفي الحديث الوضوح : ” خير القرون الذي أنا فيهم ” والمحدد موضوعيا بالصحابة الذين أحسنوا الصحبة (رضي الله عنهم ) .

ـ 3 ــ الأمة النورانية :

وقد حددها مبحثنا بالأمة المخصوصة النورانية من أهل البيت المطهرين عنوان التقديس الإلهي في الأمة .. وهم كذلك العنوان والمرجع الأزلي الثابت .. بصفتهم مخلوقون من نور النبوة المكرمة والنبي مخلوق من نور الله تعالى في علاه ..

قال النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) :

كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله ــ عز وجل ــ يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق الله آدم بألف عام , فلما خلق الله آدم ركب ذلك النور في صلبه , فلم يزل في شيئ واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب : ففي النبوة وفي علي الخلافة “

وفي رواية في المصدر :

” وأخرج عليا وصيا ” وفي رواية : ” فجزء أنا وجزء علي” .. (1)..

(1) أنظر : ابن المغازلي : المصدر السابق ص121 رقم 131 , 132= هامش المصدر : ” وبمعنى الحديث روايات متضافرة تراها في كفاية الطالب الباب 87 ، لسان 6/377 ،مناقب الخوارزمي 46, ينابيع المودة 83 نزهة المجالس 2/ 230 ، : أخرجه العلامة الذهبي في ميزان الإعتدال 1/235 ” : وفي تاريخ دمشق ج42/65 ، ص 67: كتابنا : المهدي ع الخروج النزول – تحرير القدس باب : الختم الإلهي النوراني النبوة بالمهدي ع ” = كتابنا : أهل البيت : الولاية : التحدي المواجهة : باب ختم النبوة ..

وهو ما رواه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله (رضي الله عنهم الله عنه ) قال : يارسول الله صلوات

الgه عليه وآله : ” يارسول الله بأي الله تعالى بدأ الخلق ..

فرد النبي ( صلى الله علي وآله الطاهرين ) :

” يا جابر : إن الله تعالى خلق قبل كل الأشياء نور نبيك من نوره” فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جني ولا انسي ، فلما أراد أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء فخلق في الجزء الأول القلم ومن الثاني اللوح ومن الثالث اللوح ومن الثالث العرش ، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الأول السموات ومن الثاني الأرضيين ومن الثالث الجنة والنار ثم قسم الرابع أجزاء من الأول نور أبصار المؤمنين ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله ومن الثالث نور انسهم وهو التوحيد : ” لا اله إلا الله محمدا رسول الله” كذا في المواهب .. (2)

(2) كشف الخفاء للعجلوني ج1/ 310 رقم 827

وفي أحكام ابن القطان فيما ذكره عن ابن مرزوق عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده أن النبي


(صلى الله عليه وآله الطاهرين )

قال : ” كنت نورا بين يدي ربي قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام ” انتهى المواهب (3)

3) نفس المصدر :السابق = انظر كتابنا : ألمهدي النزول الخروج .. باب ” الخلق النوراني للنبوة ” = كتابنا : الأزمة الروحية والثورة الروحية “ = مبحثنا في : المصطلح القرآني : ” النور الإلهي النبوي ” ..

وهكذا يمتد هذا النور لبعث حالة الأمة النورانية المقبلة وهذا يتطلب من جموع جماهير هذه الأمة أن تشكل ذاتها وفق منظومة مطهرة بعيدا عن سياسات تسويد الوجهة التوحيدية التى أرساها النبي الأعظم وآل بيته المطهرين عبر كل التواريخ وفي وجهتنا أن تشكيل هذه الحالة لا بد لها من تجاوز الفكر المذهبي والطائفي وأزمته الخانقة .. خاصة وأن أئمة أهل البيت عليهم صلوات الله وسلامة هم عمق النبوة وامتداد ثورتها الروحية التوحيدية .. وهم أئمة الإسلام والمسلمين ولم يكونوا عبر التاريخ أئمة حزب ومذهب .. والقرآن الكريم يوجه نداء الله الأزلي “

{ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }الأنبياء92

{{ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ }المؤمنون52

فخطاب المتعالي في قرآنه لنبيه المختار منذ الأزل إنما هو خطاب الرب العزيز لكل الخلائق والأمم .. وإذا كان النبي صلوات الله وسلامه عليه مبعوثا للعالمين ..

{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107

فخطاب الله عز وجل للعالمين كان عبر حالة النور النبوية الأزلية والأئمة (عليهم السلام ) من عترته (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) هم حملة المنهج الأممي في نشر حالة النور الإلهي في العوالم..

والأمة المصطفاة العروة الوثقى وأمان الأمة :

: .. وهم العروة الوثقى وبوابة الأمان الأممية إن لم يكن مخصوصا بحالة الإسلام، بدون سياسات المنهج الإكراهي في العقيدة .. وهو المستلهم من قوله تعالى :

{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة256 .

االعروة الوثقى كما فصلناها في مباحثنا في المصطلح القرآني .. المراد منها هم الأمة الوسط الشاهدة على الأمم فهو سربال الأمة وعقالها وبوابة نجاتها وأمنها حسب الوجهة في المصطلح القرآن الحديثي . والعروة الوثقى في روح الحديث النبوي المقدس يتجه نحو جعل أهل البيت بمثال القميص والسر بال الواقي لجسد الأمة وجدارها الصلب .. فقطع العروة تكشف السوءة .. وتهتك شرف الأمة وقدسيتها والوحدة عصمتها وحبل الله المتين قيدها ووجائها من الفتنة و الزيغ ، وفي قوله تعالى : لا انفصام لها يرسي مفهوم التوحيد في مواجهة مفهوم التفسيخ وفي اللغة والتفسير يجئ مصطلح العروة الوثقى في القرآن ليؤكد عمق الإصطفاء الهاشمي الأزلي .. الممتد في خيار الله بخلق الأئمة من نوره تعالى ليكونوا سراجا منيرا في الخلائق و الإعتصام بحبل الله كما في الحديث المروي في صحيح مسلم لا يتحقق إلا بالثقلين الأعظمين كتاب الله وأهل بيتي ” ذكره ثلاثا ” وحبل الله هم آل البيت كما في الصواعق المحرقة وجمع من أهل التفسير .. والعروة هي الوثاق ..

وفي لســان العرب :

ققال أَبو عمرو العَرَى البَرْد وعَرِيَت لَيْلَتُنا عَرىً وقال ابن مقبل وكأَنَّما اصْطَبَحَتْ قَرِيحَ سَحابةٍ بِعَرًى تنازعُه الرياحُ زُلال قال العَرَى مكان بارد وعُرْوَةُ الدَّلْوِ والكوزِ ونحوهِ مَقْبِضُهُ وعُرَى المَزادة آذانُها وعُرْوَةُ القَمِيص مَدْخَلُ زِرِّه وعَرَّى القَمِيص وأَعْراه جَعَلَ له عُرًى وفي الحديث لا تُشَدُّ العُرى إلا إِلى ثلاثة مَساجِدَ هي جمعُ عُرْوَةٍ يريدُ عُرَى الأَحْمالِ والرَّواحِلِ وعَرَّى الشَّيْءَ اتَّخَذَ له عُرْوةً وقوله تعالى فقَدِ اسْتَمْسَكَ بالعُرْوةِ الوُثْقَى لا انْفِصامَ لها شُبِّه بالعُرْوَة التي يُتَمسَّك بها ..

ققال الزجاج العُرْوة الوُثْقَى قولُ لا إِلهَ إلا الله وقيل معناه فقد عَقَدَ لنَفْسِه من الدِّين عَقْداً وثيقاً لا تَحُلُّه حُجَّة وعُرْوَتا الفَرْجِ لحْمٌ ظاهِرٌ يَدِقُّ فيَأْخُذُ يَمْنَةً ويَسْرةً مع أَسْفَلِ البَطْنِ وفَرْجٌ مُعَرىً إذا كان كذلك وعُرَى المَرْجان قلائدُ المَرْجان ويقال لطَوْق القِلادة عُرْوةٌ وفي النوادر أَرضٌ عُرْوَةٌ وذِرْوَة وعِصْمة إِذا كانت خَصيبة خصباً يَبْقَى والعُرْوة من النِّباتِ ما بَقِي له خضْرة في الشتاء تَتعلَّق به الإبلُ حتى تُدرِكَ الرَّبيع وقيل العُروة الجماعة من العِضاهِ خاصَّةً يرعاها الناسُ إذا أَجْدَبوا وقيل العُرْوةُ بقية العِضاهِ والحَمْضِ في الجَدْبِ ولا يقال لشيء من الشجر عُرْوةٌ إلا لها غيرَ أَنه قد يُشْتَقُّ لكل ما بَقِيَ من الشجر في الصيف قال الأَزهري والعُرْوة من دِقِّ الشجر ما له أَصلٌ باقٍ في الأَرض مثل العَرْفَج والنَّصِيِّ وأَجناسِ الخُلَّةِ والحَمْضِ فإذا أَمْحَلَ الناسُ عَصَمت العُرْوةُ الماشيةَ فتبلَّغَت بها ضربها اللهُ مثلاً لما يُعْتَصَم به من الدِّين في قوله تعالى فقد اسْتمْسَك بالعُرْوة الوُثْقى وأَنشد ابن السكيت ما كان جُرِّبَ عندَ مَدِّ حِبالِكُمْ ضَعْفٌ يُخافُ ولا انْفِصامٌ في العُرى قوله انفصام في العُرى أَي ضَعْف فيما يَعْتَصِم به الناس الأَزهري العُرى ساداتُ الناس الذين يَعْتَصِم بهم الضُّعفاء ويَعيشون بعُرْفِهم شبِّهوا بعُرَى الشَّجَر العاصمة الماشيةَ في الجَدْب قال ابن سيده والعُروة أَيضاً الشجر المُلْتَفُّ الذي تَشْتُو فيه الإبل فتأْكلُ منه وقيل العُروة الشيءُ من الشجرِ الذي لا يَزالُ باقياً في الأرض ولا يَذْهَب ويُشَبَّه به البُنْكُ من الناس وقيل العُروة من الشجر ما يَكْفِي المالَ سَنَته وهو من الشجر ما لا يَسْقُط وَرَقُه ..

قال الأَزهري ومَعاري رؤوس العظام حيث يُعَرَّى اللحمُ عن العَظْم ومَعاري المرأة ما لا بُدَّ لها من إظْهاره واحدُها مَعْرًى ،

وفي الحديث أنه أُتيَ بفرس مُعْرَوْرٍ قال ابن الأَثير أَى لا سَرْجٍ عليه ولا غيره واعْرَوْرَى فرسَه رَكبه عُرْياً فهو لازم ومتعدّ أَو يكون أُُتي بفرس مُعْرَوْرىً على المفعول قال ابن سيده واعْرَوْرَى الفرسُ صارَ عُرْياً واعْرَوْرَاه رَكبَه عُرْياً ولا يُسْتَعْمل إلا مزيداً وكذلك اعْرَوْرى البعير ومنه قوله واعْرَوْرَتِ العُلُطَ العُرْضِيَّ تَرْكُضُه .. وفي الحديث أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما مَثَلي ومَثَلُكم كمثل رجل أَنْذَر قومَه جَيْشاً فقال أَنا النَّذير العُرْيان أُنْذِركم جَيْشاً خص العُرْيان لأنه أَبْيَنُ للعين وأَغرب وأَشنع عند المُبْصِر وذلك أَن رَبيئة القوم وعَيْنَهم يكون على مكان عالٍ فإذا رأى العَدُوَّ وقد أَقبل نَزَع ثوبه وأَلاحَ به ليُنْذِرَ قومَه ويَبْقى عُرْياناً ويقال فلان عُرْيان النَّجِيِّ إذا كان يُناجي امرأَتَه ويُشاوِرها ويصَدُرُ عن رَأْيها ومنه قوله أَصاخَ لِعُرْيانِ النَّجِيِّ وإنَّه لأزْوَرُ عن بَعْض المَقالةِ جانِبُهْ أَي اسْتَمع إلى امرأته وأَهانني وأَعْرَيتُ المَكانَ ترَكْتُ حضُوره قال ذو الرمة ومَنْهَل أَعْرى حَياه الحضر والمُعَرَّى من الأسماء ما لمْ يدخُلْ عَلَيه عاملٌ كالمبتدأ والمُعَرَّى من الشِّعْر ما سَلِمَ من الترْفِيلِ والإذالةِ والإسْباغِ وعَرَّاهُ من الأمرِ خَلَّصَه وجَرَّده ويقال ما تَعَرَّى فلان من هذا الأَمر أَي ما تخلَّص والمَعاري المواضع التي لا تُنْبِتُ “(4)

(4) لسان العرب :ج15/44/ باب “عرا “

ولهذا جاء التعبير عن الثقلين بمقام التعظيم ، وهو قوله (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) :

” كلاهما أعظم من الآخر ” وجعلا وهم العروة الوثقى مقام الأمان للأمة المسلمة .. وهي المتوحدة مع قيادتها الإلهية المنتجاة .. قال النبي (ص) : ” النجوم أمان لأهل السماء و أهل بيتي أمان لأمتي “.. عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :

{ و إنه لعلم للساعة } فقال : النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت أتاها ما يوعدون و أنا أمان لأصحابي ما كنت فإذا ذهبت أتاهم ما يوعدون و أهل بيتي أمان لأمتي فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون ” (5)

5) صحيح الإسناد و لم يخرجاه ، أخرجه : السخاوي : في كتاب: استجلاب ارتقاء الغرف .. باب ” الأمان ببقائهم والنجاة في اقتفائهم ج2/478 = الطبراني ج7/ 22 رقم 6260 = ينابيع المودة للقندوزي ج2/134 .

وبالإجمال فأن مصطلح الأمة ، كما ذكرنا في مبحثنا هو تعبير عن أحوال الخلق الإنساني علي مستوي الجماعات الإنسانية ,وهي التي تمثل كل منها أمة مستقلة …والمجتمعات المعاصرة تمثل العديد من الأمم أو ما يقال عنها اليوم ( القوميات) أوهي أصول الجماعات الإنسانية ..و في تحديدها قال الله تعالي :

قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلي أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب اليم ”

{تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ }هود49

وهو خطاب الرحمن للنبوة المصطفاة عليها الصلوات والتعظيم بأن الذين سيجمعهم الله تعالي على الدين المحمدي والإسلام هم مجتمعات وأمم سيتوحدون على قاعدة التوحيد الإلهية .. والقرآن في سياق دعوته للأمة الواحدة يوجه الخطاب لهذه القوميات لنقلها عبر رسالات الأنبياء الى ساحات التوحيد والقيم الإلهية . . وهي إشارة ربانية على حقيقة الاختيار الإلهي للنبوة المحمدية من خلال صورة قوم نوح في التجربة التاريخية.. فقد حمل نوح عليه السلام معه كما في القران في سفينته من كل زوجين أثنين لتواصل كمال الأمم في الخلق

{{ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً }الإسراء3 : وهم:

{ { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَ نْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً{58}

والذين اجتباهم الله تعالى هم جوهر الإصطفاء الإلهي من العترة المطهرة .. والذين آمنوا بهم من المسلمين ومن يرتضون أئمتهم قادة هم ” الفائزون الناجون .. بدليل أحاديث الثقلين والعترة و الاعتصام وأمان الأمة .. والأمة المسلمة لا تحقق وجودها وشرائط إيمانها وصعودها إلا بآل البيت المطهرين أمان الأمة عليهم السلام … قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) :

” ان الله جعل ذرية كل نبي من صلبه ، وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالب ” (6)

(6) ينابيع المودة : ج2/58 ،8 مطبعة منشورات الأعلمي بيروت = أخرجه الطبراني في ” ترجمة الحسن بن علي عليه السلام : الكبير ج2/43 رقم 2630 ط مكتبة العلوم والحكم الموصل ط2/1404ــ 1983 ..

وقال (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) :

” أنا أبوهم و أنا عصبتهم ” .. ” وأنا وليهم وعصبتهم ” ا(7)

(7) الخطيب البغدادي ج11/285 ط دار الكتب العلمية بيروت = الصواعق المحرقة ص 156 ط مصر = أخرجه الطبراني في الكبير ج3/44 رقم 2623 ط مكتبة العلوم والحكم

.. فهم النجاة وبوابة الأمل القادم وسفينة النجاة المقاومة لكل الظالمين والمفسدين والمهدي عنوان آل النبي محمد صلى الله عليه وآله المطهرين . والقرآن الكريم هو الشاهد الأعظم لمقام العترة المطهرة ودليل ريادتها للأمة :

“ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

[ إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي : أحدهما أعظم من الأخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض والأخر عترة أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ] ” (8)

) (8 ) تفسير ابن كثير ج4/42 تفسير قوله تعالى : ” قل لا أسألكم عليه أجرا “ = الدر المنثور ج2/285 = مسند أحمد بن حنبل ج3/17/ رقم 11147 ط مؤسسة قرطبة مصر

ققال تعالى :

{ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ }المؤمنون 27

وهكذا حملت الآيات في سياق وعينا للمثال التاريخي والأنموذج النبوي القيمة في التأكيد الخطابي القرآني للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) وعترته المطهرين (عليه السلام) فهم المهدوفون في قوله تعالى ” الذين أنعم الله عليهم ” فهم قادة سفينة آل النبي محمد (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) وهم رمز الأمة الواحدة الموحدة , والمتوحدون معهم هم الناجون .. وهذا واضح جلي في قوله (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) :

” مثلي ومثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها فقد نجا ومن تركها فقد غرق “ (9)

(9) جمع الزوائد ومنبع الفوائد : : نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي الناشر : ج9/168 رقم 14978 ط . دار الفكر، بيروت – 1412 هـ ج9/168 = الطبراني ج3/37 ، 38 = كنز العمال رقم 34151 = إمتاع الأسماع ج11/178 = ينابيع المودة ج2/:133

والسياق القرآني في ربطه بين المثال والواقع : يريد خلق التواصل في الأنموذج النبوي الخاتم وتبيان حقيقة الثقلين في معادلة المواجهة والصراع وسفينة الخلاص .. كما تؤكد على وجود الأمم في الخلق . وكان نوح عليه السلام يمثل حالة للأمة المختارة وهو المثال للأنموذج المراد في السياق القرآني في النبوة الخاتمة , ويمثله اليوم الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام ) خليفة الله في أرضه ..

وبهذا قال تعالي في تحديد ماهية هذه الأمة الواحدة في قوله تعالى :

{{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ “

وقد ذكرنا في حديثنا عن حالة الاصطفاء النبوي في كتابنا :

[ آباء وأجداد النبي الساجدون]

قول النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) ..

إ{ ان الله اصطفي من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم ” ا(10)

(10) ابن سعد : الطبقات الكبرى : المجلد 1/17 ط دار الكتب العلمية بيروت ط1/ 1418 ــ 1997 _ الحديث في صحيح مسلم = الفضائل 3 -= الترمذي ج5/ 400 قال حديث حسن صحيح = سنن الترمذي 3148 ــ 3615 = مسند أحمد 11/281 ,213

وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام : قال النبي (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) :

” قسّم الله الأرض من نصفين, فجعلني في خيرها , ثم قسم النصف على ثلاثة فكنت في خير ثلث منها , ثم اختار العرب من الناس , ثم اختار قريشا من العرب , ثم اختار بني هاشم من قريش , ثم اختار عبد المطلب من بني هاشم ” .. (11)

(11) الدر المنثور ج3/ 295 = كنز العمال رقم 33112

وعن ابن عمر (رضي الله عنه ) .. قال :

ققال رسول الله (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) :

” خلق الله الخلق فأختار من الخلق بني آدم وأختار من بني آدم العرب , ثم اختار من العرب قريشا , ثم اختار بني هاشم , ثم اختارني من بني هاشم , فأنا خيرة من خيرة ” (12)

(12) طبقات ابن سعد _ نفس المصدر ص 17 = كنز العمال ج11/ 610 رقم 32120

وبهذا يحدد القرآن والحديث النبوي أن الإصطفاء الإلهي كان يحدد ملامح الأمة المصطفاة .. ودفعها لتكون شاهدة ورسالة .. وكان النبي الأعظم يقف في أعلى مراتب هذا الإصطفاء وختم النور في الأمة .. كما كان جليا التواصل في هذا الاجتباء في عترته المطهرين بأمر عالم الإرادة وهو المراد الواضح في قوله تعالى ” واجتبينا ” .. والرسول حين أمر بالبلاغ للولاية في حجة الوداع ما بينا دليلة في أسباب النزول للوا حدي ..

. ــ أهل البيت الأمة وأهل السنة :

. إنما كان صلوات الله وسلامه عليه , يحدد ” الأمة ” في سياق الأمر الإلهي ” ولتكن منكم أمة .. ” وكانت الأمة المختارة هي النبي وعترته المطهرين عليهم صلوات الله وسلامه .. ومن يخالف هذا النظم الإلهي في وضعية آل البيت النبوي

(عليهم السلام ) في أعلى سلم القيادة فقد وقع في مخالفة الأمر الإلهي البين ..

” نحن أهل البيت لا يقاس علينا أحدا ” المصدر السابق ..

فكيف بمجموعة مصطفاة تملك الحق الإلهي في وظيفتها العقائدية ..

وهي التي وضعها الله والنبي صلوات الله عليه وسلامه في مقام الولاية العظمى وقد شرحت ذلك في كتابي : أهل البيت الولاية وفي مجموع مباحثنا القرآنية . والتدليل على وجهتنا الأصولية الاعتقادية يكمن في سيل الشهادات القرآنية وهي بالآلاف إن لم تكن بالمئات .. يضاف لذلك سيل الأحاديث المتجهة لتأكيد أهل البيت عليهم السلام كور ثاء للنبوة في العلم والحكمة : وفي شرحنا لآيات الإنذار “وأنذر عشيرتك الأقربين ” تأكيد النبي ألأعظم (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) على قيادة أمير المؤمنين كوريث للنبوة ..

” هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأسمعوا له وأطيعوا ” .. (13)

(13) كنز العمال ج13/ 98 رقم 36419 ,,,ص 114 رقم 36419 = تاريخ دمشق ج42/49 رقم 8381 ، رقم 3382 ، 8383 ، 8384 ، ورقم 8377 = مختصر تاريخ دمشق ج1/2374 . = تاريخ الطبري ج1/543 ط دار الكتب العلمية ط1/1407 = جامع البيان للطبري ج16/142 رقم 2689

” يا بني عبد المطلب هذا وارثي ووزيري وخليفتي من بعدي ” (14)

(14) تفسير نور الثقلين : المجلد 4/67 ،67 رقم 93

وجملة أحاديث الوصية تؤكد وجهة واحدة وهو خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) على الأمة وامتلاكه وراثة الدين والحكمة ” أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت باب المدينة ” (15)

(15) البداية والنهاية ج7/383 عن الصنابحي مرفوعا = السيوطي : تاريخ الخلفاء ص 135 : أخرجه الترمذي

وفي الحديث الصحيح ” كذب من زعم أنه يصل الى المدينة الدين إلا من قبل الباب ” (16)

(16) ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج1/71

“ والأمر يحسم بين قوسين في حديث النبوة :

” تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي ”

والسنة هي أمير المؤمنين والعترة بحكم التطهير والاصطفاء وكون أمير المؤمنين بوابة السنة والدين والعلم والحكمة ،

” أنا دار الحكمة وعلي بابها “ (17)

(17) حلية الأولياء : المجلد1/103 = سنن الترمذيج5/445 رقم 3723 = تاريخ دمشق ج42/ 382 رقم 8984، ص 393 رقم 8985 = ينابيع المودة ج2/70

وهذا له مداليله الحديثية المتعددة . “وأحاديث العترة والقرآن أكبر من أن يتسع لها مبحثنا في المتابعة والتحليل ونعد أن نفصلها بالكلية من جميع كتب المسلمين الحديثية .. فالنبي الأعظم هو السنة وهم أهله وعترته وورثاء دمه وصلبه وهم بإجماع الخلفاء أبو بكرا لصديق وعمرين الخطاب وعثمان رضي الله عنهم أجمعين أن أمير المؤمنين أعلم ألأمة ووريث علم النبوة ومدرسة السف والقضاء .. وبالإيجاز نخلص أتن أهل البيت هم بوضوح الأمة المصطفاة وهم أهل السنة الحقيقيون ورحم الله عمر بن الخطاب حين كان يردد بجلاء :

” لولا أبا الحسن لهلك عمر ”

ويقول أمام الحجيج في بيت الله الحرام :

” أعوذ بالله أن أعيش في زمن ليس فيه أبا الحسن ” ..

وفي الموضوع مباحث موسعة سيفصلها موقع الأمة بأقلام الأمة .. وأما من يريد أن يبخس أهل البيت وأمير المؤمنين عليهم السلام حقهم فلا يكذب الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) حرصا على التاريخ !! (18)

(18) الاستيعاب : ج3/206 = نور الأبصار ص 79 = البداية والنهاية ج7/359 ــ 360 = الطبقات الكبرى : المجلد 2/258 ط دار الكتب العلمية ط2/1997 ــ1418 = سير أعلام النبلاء ” سير الخلفاء الراشدين ” ص 239 = ينابيع المودة ج2/ 111 = الطبقات الكبرى : المجلد 2/258 = تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 135 = تاريخ دمشق ج42/ 406 ــ407 , = تفسير الدر المنثور ج3/606 تفسير قوله تعالى : ” ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين (80

وبهذا يقف المصطلح القرآني الحديثي ليدعم وجود أهل البيت المطهرين (عليهم السلام) على رأس جماهير المسلمين .. هذا وان أزمة المسلمين عبر التاريخ في التعامل مع المصطلح القرآني وهو سر الإله في القرآن هو الذي خلق حالة التراجع والانقلاب المضاد لحركة التاريخ والقرآن ..

وسجّدوا هامات الأمة بالسيف لمشروعهم الدموي البديل !!

فسموا الأمور خارج سياق مسمياتها .. ووضعوا الصياغة الدستورية للطغاة على النقيض من حركة القرآن !!

فانقسمت الأمة بعد صفين وكربلاء تحديدا .. وبالتالي جيّرت المفاهيم القرآنية وفق أهواء الظالمين ، وأضحى نزول القرآن بخصوص حالة الأمة المصطفاة كوجهة نظر !! ووضعت المصطلحات القرآنية بالتضاد مع سر التنزيل وبالتالي أصبحت متنا كفة تماما مع النصوص الشرعية .. وبدلا من يكون أهل البيت (عليهم السلام) وهم ورثاء الدين وقرين القرآن والسنة ” كتاب الله وعترتي أهل بيتي” وضع المشرعون المأجورون المفاهيم المتناقضة مع القرآن…

ووضع مصطلح ” أهل السنة ” كغطاء لحالة النقيض ” بنو أمية ” ووضع مفهوم الاستبداد الكسروي ” الو راثية وولاية العهد ” في مقام المصطلح القرآني ” الشورى ” ووضعت نظرية التعيين للحكام وهم في بطون أمهاتهم نقيضا للأمر الإلهي بولاية أهل البيت (عليهم السلام) في الحكم ..

كما وضعت نظرية ” التغلب ” في اصطلاح الأنظمة المستبدة نقيضا لمصطلح القرآن ” لا إكراه ” “وفي السياق . ..

يقول الأستاذ والعلامة الشهيد عبد القادر عوده رحمه الله :

“ إن المسلمين رضوا بولاية العهد , وبإمامة التغلب , وبالسكوت على الأئمة الظلمة والفسقة ، وكان رضاؤهم يرجع إلى الخشية من الفتنة , وما علموا أنهم في الفتنة سقطوا بما رضوا من الخروج على أمر الله . إن الفتنة كل الفتنة هي الرضا بالخروج على أمر الله, وإقامة أمور الدنيا والدين على غير ما أقامها الله , وما يصح لمسلم ولا مسلمة أن يرضى بغير ما رضيه الله ” (19)

(19) عبد القادر عودة : الإسلام وأوضاعنا السياسية ص 182 ط دار المختار الإسلامي

وهكذا نرى التاريخ والقرآن وقراءة المصطلح والغاية يفسر تفسيرا مقلوبا وهذا راجع لحالة طغيان النظام البوليسي .. وهذا ما كان يضع أمير المؤمنين علي

(عليه السلام ) أمام مسؤولياته القرآنية ومحدداتها في وجه حركة التزييف والجور الإكراهي !! ” ولهذا كان يرفع للأمة شعاره العلمي الروحي المقدس :

” أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض قبل أن تشغر برجلها فتنة تطأ في خطامها وتذهب بأحلام قومها . ” (20)

((20) ينابيع المودة : ص 280 = نهج البلاغة ص 187: مركز الإشعاع الإسلامي

رضي الله عنه يقول : ما كان أحد من الناس يقول :

” سلوني غير علي بن أبي طالب “ (21)

(21) أسد الغابة ج3/596 : الحديث في مجمع الزوائد ج1/397 الناشر : دار الفكر، بيروت – 1412 هـ 187

وكان الهدف المراد من هذا الطغيان هو إزاحة أهل البيت عليهم السلام عن سدة الخلافة وإسقاط مفهوم القرآن ” للأمة الواحدة ” لحسابات المفسدين والظالمين … بداية لقد استوعب أمير المؤمنين : علي (عليه السلام) الوجهة القرآنية في تأكيد مفهوم ” الأمة الواحدة “. فبعد فاجعة السقيفة لم يكن أمامه (عليه السلام) وبدون الدخول في التفاصيل سوى.. تأكيد حالة أهل البيت (عليه السلام) والقرآن بين جماهير المسلمين , وفي الوقت الذي كان يدرك أمير المؤمنين غاياته .. كان يدرك في ذات الوقت أن ابتلاء آل النبي محمد (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) قد بدأ ، ولم يكن أمام أهل البيت سوى التعامل مع الحقائق .. بعيد ا عن الجدل في وجود أمير المؤمنين (عليه السلام ) على سدة الخلافة أم عدمه .. والنبي (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) هو الذي هيأ أمير المؤمنين لقتال الناكثين والقاسطين .. وأمره بالتواجد في مقامه وبيته : عن سلمة عن الصنابحي عن علي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين (عليه السلام ) :

” أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي فإن أتاك هؤلاء القوم فسلموها إليك – يعني الخلافة – فاقبل منهم وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتى يأتوك ”(22)

(22) أسد الغابة في معرفة الصحابة ج1/ 800 ” باب خلافة علي (رض)

” ومن خطبته عليه السلام في مواجهة البديل الأموي الزائف : ” أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا أن رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يستعطى وبنا يستجلى العمى ” . (23)

(23) نهج البلاغة ص 201 خطبه رقم 144 ط مركز الإشعاع الإسلامي ـ انترنت

(.. ودون الدخول في تعقيدات هذه المرحلة الحرجة من تاريخ المسلمين..إلا إننا نود القول كما وجهتنا عبر عشرات السنين الماضية ..

إننا ملتزمون تماما بسنة ومنهج أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في التعامل مع الخلفاء الثلاثة لا نزيد ولا ننقص .. وأي اجتهاد خارج سياق أمير المؤمنين بدعوى الولاية والانحياز لآل البيت (عليه السلام)

هو تعد على رسالة آل البيت (عليه السلام) وتحميلهم بالغلو ما يطيقون !!

.. … هذا ونحن نهيئ كما كل المخلصين في الأمة لمشروعها المهدوي العالمي .. ندرك أزمات التاريخ وتعقيداته !! ولكن وجهتنا نحن لا نريد الدخول مع التاريخ في حرب ومواجهة .. (24)

(24) أنظر وجهتنا : موقع أمة الزهراء ــ انترنت

بل نستلهم كما وصية القرآن من التاريخ العبرة والنهوض .. ودون إسقاط معادلة الوعي لتأكيد مفهوم الأمة في ” العترة ” .. نؤكد من جديد : أن أمير المؤمنين عليهم السلام حتى في زمن الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم .. كان يمثل المرجعية الإلهية في التشريع وكان المرجع للمسلمين والخليفة في ميراث النبوة ..

(عليهم السلام) وأهل عداوتهم

وبعيدا عن التعلق بفكر المؤامرة نرى أن الوجهة التناقضية بين أهل البيت

بدأت بعد معركة صفين ومجزرة كربلاء بما لا يمكن التسامح مع أعداء العترة النبوية المطهرة وأعداء التاريخ .. وإلا كنا معاذ الله مع المنافقين في الدنيا والآخرة : قال أمير المؤمنين علي عليهم السلام ” عهد إلي النبي (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) عهدا :

” انه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق “ (25

(25) ابن المغازلي الشافعي مناقب الإمام علي ابن أبي طالب (ع) ص187 رقم 227 , ص 185 رقم 225 , ص 186 رقم 226 = تاريخ دمشق ج42/271

وقال النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) : ” إن رب العالمين عهد إلي في علي عهدا إنه راية الهدى ومنار الإيمان وإمام أوليائي ونور جميع من أطاعني ، أن عليا أميني غدا في القيامة وصاحب رايتي وبيد علي مفاتيح خزائن رحمة ربي ) .. (26)

(26) ينابيع المودة ج2/138 = ابن المغازلي الشافعي : المناقب ص 94

وفبعد أزمة السقيفة الفاجعة في الأمة !! كان أمير المؤمنين يأخذ موقعه الشرعي في الأمة على مستوى التشريع والقضاء والفتيا وكموجه للمسلمين والخلفاء في جميع قضاياهم ، واستطاع فعليا من تصعيد وعي الأمة المؤمنة من خلال أنصاره في الصحابة المكرمين يهيئ الحالة المقبلة لمواصلة دوره المقبل في مواجهة البغاة والناكثين.. ” ذكر الإمام الحاكم بسنده عن : أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين ”

عن الأصبع بن نباته عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول لعلي بن أبي طالب : تقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين بالطرقات و النهروانات و بالشعفات قال أبو أيوب : قلت : يا رسول الله مع من نقاتل هؤلاء الأقوام قال : مع علي بن أبي طالب “.(27)

(27) المستدرك : ج3/ 150 رقم ,رقم 4675, 4674 ، المعجم الكبير للطبراني ج4/172 رقم 4049 , ج10/91 رقم10053 = المعجم الأوسط ج8/213 رقم 4833 + حلية الأولياء ج1/62 = كتابنا : السقيفة بين الفاجعة والقدر الإلهي في الأمة ” تحت الطبع .

ولقد كان هذا يستلزم التواجد بين المسلمين وعدم الدخول في الأزمات الداخلية وفق وصايا النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) له (عليه السلام) وبصفته خاتم الأولياء الموصول بالله تعالى كان يرى(عليه السلام) الأمور بروح إلهية ، فآل النبي (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) أمرهم موكول إلى العلي القدير .. ومع كل جهود أمير المؤمنين في خدمة مشروع الإسلام وولاية الله .. لم يدخر جهدا من حل إشكالات الصحابة الأبرار , أو مشاركتهم على خطى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) في أمورهم .. ولم يكن هناك أي حواجز بينه والأمة .. فقد كان (عليه السلام ) مرجعية الأمة الأولى في التشريع والقضاء والأحكام فهو بوابة مدينة العلم والحكمة .. وكان مقامه المحجة البيضاء المطهرة وهو الصراط المستقيم ، عن حذيفة بن اليمان قال : قالوا يا رسول الله : ” ألا تستخلف عليا قال إن تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم ” رواه النعمان بن أبي شيبة الجندي عن الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة نحوه ” .. عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

” إن تستخلفوا عليا وما أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة البيضاء ” (28)

(28) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : المجلد 1/ 104 رقم 195 , 196 ط دار الكتب العلمية ط1/1418 ــ 1997

، فقد كان لبني هاشم ومقام النبوة الحظوة والمرجعية الدينية والوجهة الأخلاقية .. وكانت الجماهير تؤمهم وتجد فيهم مقام تقواها وكان أهل عداوتهم هم المنافقين .. وكان الأنصار يدرسون أبنائهم علامة المنافقين ببغض علي بن أبي طالب

(عليه السلام) و كانت ” المرجعية الشرعية ” في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) هي لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام ) باعتراف الصحابي عمر بن الخطاب ذاته :” لولا أبا الحسن لهلك عمر .. ” وقوله :

” لولا علي لهلك عمر “ (29)

(29) الاستيعاب ج3/ 206 = د . محمد عبد الرحيم محمد : المدخل إلى فقه الإمام علي (ع) ط. دار الحديث الأزهر ” الفصل الأول “

وقوله : ” لا أبقاني الله بأرض ليس فيها أبو الحسن ” (30)

(30) الاستيعاب ج3/ 206 = د . محمد عبد الرحيم محمد : المدخل إلى فقه الإمام علي (ع) ط. دار الحديث الأزهر ” الفصل الأول “

وقوله (رض) : “أعوذ بالله من معضلة ولا أبو الحسن لها ” (31)

( (31)البداية والنهاية ج7/359 ــ 360 = تاريخ الخلفاء ص 135 = تاريخ دمشق ج42/407 ,406 = البداية والنهاية ج7/359 ــ 360 = تاريخ الخلفاء ص 135 = تاريخ دمشق ج42/407 ,406

وودون الدخول في تفاصيل هذه الفترة .. فقد فصلتها كتبنا ومباحثنا.. وما نود الإشارة إليه هو أن وجود أمير المؤمنين (عليه السلام) قد جعل حركة القرآن والنبوة يستقيمان ومن خلال وجوه وثورته الروحية المتدفقة جعل الوعي بالمصطلح القرآني الحديثي جليا

… كما استطاع من إيجاد لحمة جيدة بين الصحابة الكرام وأهل البيت (عليه السلام) ويعود إليه الفضل في وجود ذلك الجيل الثوري الروحي الصلب والمقاوم لمفسدي التاريخ والأمة ” أنصار آل البيت النبوي ” وهم جيش الله وحزبه الغالبون وخيرة الصحابة الأبرار ، وكانوا بالآلاف وهم الموصفون في جملة أحاديث النبي بالفائزين ..” يا علي أنت ومحبيك في الجنة ” ” الفائزون ” .. وكان يردد على الدوام مقولة التحدي العلمي وحقيقته السماوية : ” سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا أعلم بطرائق السموات من طرائق الأرض ” ولهذا كشف النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) حقيقته الإلهية فقال للصحابة الكرام :

” لا تسبوا عليا فإنه ممسوس في ذات الله تعالى “(32) (32) حلية الأولياء : نفس المصدرج1/109 رقم 215 = معجم الطبراني ج19/148 = كنز العمال رقم 33017 = الطبراني : الكبير ج19 /148 رقم 324 = كنز العمال ج11/932 رقم 33017

ح.. وكون أمير المؤمنين هو الوجه الأخر للقرآن :

” علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ” المصدر السابق ..

وهذا ما جعل الوعي في أصول القرآن واضح المعالم والحجة والبيان، ولهذا كان الوعي القرآن ومصلحاته واضحة … وهكذا استطاع أمير المؤمنين (عليه السلام) من وضع البوصلة المستقيمة لتشكيل حالة الأمة الواحدة : والجماهير التي لا تستلهم وعيها واستقامتها من غير باب النبوة المشرفة ؟ وقد قال النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) :

” ” يا علي أنا مدينة العلم و أنت بابها كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلا من قبل الباب ” . (33)

(33) ينابيع المودة : ج1/ 71

وبهذا نكون قد وضعنا في إيجاز قراءتنا … القاعدة المحددة لتشكيل : ” الأمة الواحدة الشاهدة ” والتي لا تكتمل إلا بإمامها الظاهر المبين ” . فقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام ) يدرك غاياته ونهايته ونهاية ذريته المغدورين المذبوحين شهادة من أجل النبوة والقرآن والحق .. وهو الذي زرعه الله بعظمته و أسكنه ذاتهم .. ” عن ثعلبه عن علي (عليه السلام ) :

” انه لعهد إلي من رسول الله (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) : ” أن الأمة ستغدر من بعدي “ .. ” ستغدر بك “(34)

( (34) تاريخ دمشق ج42/ 447 = المستدرك ج3/ 153/4686 =- مسند الحارث : زوائد الهيثمي ج2/ 905 رقم 984

ت

ققال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) : ” إن الله عهد إلي في علي عهدا ، أن عليا بيده راية الهدى وإمام أوليائي ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين ، من أحبه فقد أحبني ومن أطاعه فقد أطاعه فقد أطاعني فبشره بذلك ، فقلت : بشرته يارب . فقال : أنا عبد الله وفي قبضته فإن يعذبني فبذنوبي لم يظلم شيئا وان يتم لي ما وعدني ” الذي بشرتني به ــ فهو أولى بي . ، فقلت : اللهم أجلّ قلبه واجعله ربيعه الإيمان ، فقال الله : قد فعلت به ذلك . ثم رفع إلي أنه سيخصه بالبلاء بشي لم يخص به أحدا من أصحابي . فقلت يارب أخي وصاحبي ، فقال : ان هذا شيئ قد سبق ، انه مبتلى ومبتلى به ” (35)

(35) ينابيع المودة للقندوزي ج2/ 138 = ابن المغازلي الشافعي ” المناقب ص 94 رقم 69

.. نقول لقد تعرض أهل البيت بعد أمير المؤمنين علي عليه السلام لحالة حصار خانق .. و سرعان ما حيد أهل البيت عليه السلام بعد صفين وكربلاء تماما إلى حد التصفية والإبادة !! وبالتالي تناقض التعامل بين المصطلح القرآني والحقيقة التاريخية ، سيرا نحو الوجهة المعاكسة !! وعن سمات هذه الحقبة الأموية وتأثيراتها في عكس التاريخ إلى النحو المقلوب .. يقول الشهيد والعالم الجليل عبد القادر عودة : ” ولقد بذل معاوية في سبيل أخذ العهد لولده يزيد ما بذل من الدهاء والخديعة والرشوة ، ثم لجأ أخيرا الى التهديد والإكراه والإدعاء بأن كبار أبناء الصحابة كالحسين وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بايعوا يزيد وهم لم يبايعوه حتى إذا ظن انه مكن لولده يزيد كان قد مكن للفساد والفتنة ، وأقام أمر الأمة الإسلامية على المحاباة والظلم وإهدار الحقوق , وقضى على الشورى وعطل قول تعالى ” وأمرهم شورى بينهم” وحول الحكم الفاضل النظيف الى حكم قذر قائم على الأهواء والشهوات ، ووجه الناس الى النفاق والذلة والصغار . ومن المحتمل أن يكون قد أدرك نتائج فعلته ، ومن المحتمل أن تكون قد فاتته ، ولكن الذي لا شك فيه أن كل من جاءوا بعده الى عصرنا هذا قد عملوا بسنته وتشبثوا ببدعته حاشا عمر بن عبد العزيز ، فعلى معاوية وقد استن هذه السنة السيئة إثمها وإثم من عمل بها الى يوم القيامة .. “ (36) (36) كتاب الإسلام وأوضاعنا السياسية ط دار المختار الإسلامي ص 170 ، 172

وحولوا السنة والدين كمفهوم الى كم إلحاقي لخدمة السلطان ومشروع البغي . وتحولت مصطلحات القرآن لحالة توظيف لهذا الواقع السياسي المقلوب .. وتحولت السنة والعترة النبوية لأكبر عملية تشويه منهجية فأهل السنة كمصطلح قرآني نبوي هم في الأساس : ” أهل البيت (عليهم السلام) أومأ عرفهم المصطلح الحديثي ب ” الثقلين ” . و في السياق تشير مجموعة من التواريخ أن قد شنوا حملة إعلامية وتعبوية بين عامة المسلمين : لانتحال سمة ” أهل البيت ” و ” الثقلين ” وكان هذا بّينا في عهد أمير المؤمنين الحسن بن علي عليهم السلام ..

وهكذا تدريجيا وظف دعاة الباطل الواقفون على أبواب جهنم .. القرآن كمصطلح وقيمة إلهية في خدمة الجور والمفسدين والطغاة . وفسر القرآن في غير وجهته .. إلى حد الإرباك .. وهكذا وضع أولياء آل البيت عليهم السلام في زمن الإمام الحسن عليهم السلام .. تحديدا وما بعده .. في واجهة العداوة للحكام الظالمين .. بحكم انحيازهم لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليهم السلام في تواريخ الصدام .. وشنت عليهم في العراق بوجه خاص ، وكما تنقل جميع كتب المؤرخين حرب إبادة شاملة بسبب حمل الأمة عن ولاية ومحبة أهل البيت عليهم السلام !! وكان هذا الاستهداف يراد به تكريس واقع الجريمة .. وتحويل جماهير الأمة الى كم إلحاقي للباطل .. وما يهم من هذه الملاحظة التاريخية التي يحتاج تفاصيلها الى موسوعات …؟

هو التأكيد في قراءتنا للمصطلح القرآني القول بأن تغيير المفاهيم خضع لحالة إرهاب بالقوة والسيف للتعامل مع الحقائق المتناقضة مع القرآن والنبوة : أساس التشريع ” كتاب الله وسنتي ” ” كتاب الله وعترتي ” لا بوابة أخرى .. وهكذا تعرضت الجماهير لحالة تشويه دموية بإتجاة استئصال وجهتها القرآنية النبوية , هذا وان الموضوع لا يحتاج إلى تبرير دفاعي !! وما نؤكده أن وضع العترة النبوية في المقام الأعظم للأمة ليس خيارا بشريا , وإنما خيارا إلهيا نصه في القرآن .. وجملة الأحاديث الصحيحة المؤكدة على قيمة المصطلح والغاية .. وبالتالي فإن أهل البيت النبوي الكرام عليهم السلام هم التحقيق لمفهوم ” الأمة المصطفاة ” في القرآن .. .

ـ

اــ3ــ مصطلح الأمة الواحدة

ووهو المنبثق من قوله تعالى :

{{ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }الأنبياء92

وهو اسم الله تعالى الواحد الأحد .. الذي لا يقبل القسمة كرقم توحيدي إلا على ذاته ,الأمة الموحدة أمته .. والنبي الخاتم هو الكلمة الواحدة والنور الواحد (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) .. والقرآن واحد .. والعترة واحدة .. والقرآن والعترة .. هي واحدة ” لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض ..

والثقلين غطاء الأمة وسربالها ولا يحق الحق والقرآن إلا بهم , وهذا التوحد لا انفصام فيه روح واحدة لرب واحد ” والأمة الواحدة وردت في القرآن تسعة مرات فردية موحدة .. ومصطلح ” أمة ” ورد حسب الرصد القرآني بالعدد 47 مرة ــ لو قسمت على العدد 9 ــ يكون الناتج العدد 9 وهو عدد مصطلح ” الأمة الواحدة ” في القرآن … وهي ” العروة الوثقى ” الموحدة لا انفصام لها .

ققال الله تعالى :

{” لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } : البقرة256

والأمة الواحدة الموحدة ” لا انفصام لها “ هي قدر الله المتعالي والاختلاف سنة الناس وهو قول الحق تعالى :

{{ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ }هود118

ويزالون هو لاستمرار الحالة ومرده لحركة التباين والتفريق بين الثقلين : قال الطبري :عن مجاهد قوله : { ولا يزالون مختلفين } قال : أهل الحق وأهل الباطل

{ إلا من رحم ربك } قال : أهل الحق ” عن ابن عباس قوله :

{ أمتكم أمة واحدة } يقول : دينكم دين واحد” . (1)

(1) تفسير الطبري ج9/81 وج7/ 137

ا قال مجاهد في قوله : { إن هذه أمتكم أمة واحدة } قال : دينكم دين واحد و نصبت الأمة الثانية على القطع و بالنصب قرأه جماعة قراء الأمصار و هو الصواب عندنا لأن الأمة الثانية نكرة و الأولى معرفة ” (2)

(2) الطبري : جامع البيان ج9/81 : تفسير قوله تعالى : ” إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون (92

والأصل في المصطلح ألمفهومي القرآني ” الوحدة “ “عن ابن جريج في قوله

وإن هذه أمتكم أمة واحدة } قال : الملة والدين ” (3)

(3) الطبري : نفس المصدر ج9/ 221

وهذا ما يجعل القرآن والدين بكليته وأهل البيت (عليه السلام ) وحدة موحدة وهو التصديق لقوله (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) ” كتاب الله وعترتي وإنهما لا يفترقان حتى يردا علي الحوض “ الحديث : المصدر السابق وقوله (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) : ” علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ” السيوطي : تاريخ الخلفاء . ولهذا طرح القرآن مناط بوجود الطائفة المرجوة التي لم تبدل تبديلا .. والذين يدعون بالدين بغير القيادة الإلهية المعاصرة : ” أهل البيت والمهدي عليهم السلام ..

أن يدركوا طبيعة التنزيل ومرامي أهدافه في قوله على الوجوب : ” ولتكن منكم أمة ” وفي قوله تعالى في علاه عن الأمم السابقة ومناط اقتدائها ما يفيد .. فقد ذكر الطبري رحمه الله : ” قال تعالى : { بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون } أي ليس لهم مستند فيما هم فيه من الشرك سوى تقليد الآباء والأجداد بأنهم كانوا على { أمة } والمراد بها الدين ههنا وفي قوله تبارك وتعالى : { إن هذه أمتكم أمة واحدة } وقولهم { وإنا على آثارهم } أي وراءهم { مهتدون } دعوى منهم بلا دليل . “ (4)

(4) مختصر ابن كثير ج3/335 تفسير قوله تعالى : ” فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين 25ـ

( قال الله تعالى : ” لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ” المائدة : 48 .. وهم الأئمة المطهرون حملوا الرسالة للمسلمين كنور وهداية .. وفي قوله تعالي : كان الناس أمة واحدة ” أي أمة مسلمة فاختلفوا ولا يمكن أن تعصم الأمة ذاتها في مشروع وحدوي متواصل إلا بإمام مبين عارف بالله ..

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان بين نوح و آدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين قال : و كذلك في قراءة عبد الله كان الناس أمة واحدة فاختلفوا ” .. (5)

(5) هذا حديث صحيح على شرط البخاري و لم يخرجاه ” المستدرك ج2/596 رقم 4009 ــ دار الكتب العلمية – بيروت

فكيف الحال بوجود قيادة إلهية تملك النص ومناط التكليف الشرعي بالرسالة .. ومع هذا فإن الأنبياء (علي) اختلفت أممهم ” ولا يزالون مختلفين ” الحالة الموحدة “ أضحت أمام انفصام واضح ، وبعد النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) أضحت جماهير المسلمين في حالة انفصام نكده ، حين فقدت معاييرها الوحدوية بزوال التوحيد بين القرآن والسنة .. وبين القرآن والعترة , وبالتالي فقدت الأمة الواحدة بغياب قيادتها ” في آل البيت النبوي ” الطاهرين شرط النهوض والبناء .. و كذلك التواصل بين الروح والغيب .. وهذه الأزمة هي التي أفقدت الجماهير السبيل ومعارج الوصول الى الوحدة والتوحد مع الثقلين وهو ما أسميناه في المصطلح القرآني ” الثورة الروحية ” عنوانا لأول إصداراتنا في هذا التوجه القدري في الحالة . إنها ” حالة الأمة الواحدة ” .

و لهذا كرس التجزيئيون الانقلابيون حالة الفراق التاريخي بين القرآن والعترة النبوية ” الثقلين ” في سياق بداية دموية على يد يزيد بن معاوية في العهد السفياني الأول .. و ستختم هذه الدموية بالسفياني الملعون في آخر الزمان سليل البيت الأموي الوشيك ظهوره ، وفي هذا سنرى تواصلا لخط الدموية والحقد على آل البيت النبوي عليهم صلوات الله وسلامه . ولكن قول الحق الفصل :

لا انفصام لها ” هو الذي يؤكد التواصل الحتمي بين القرآن والجماهير والعترة وعليه يكون خليفة الله المهدي (عليه السلام ) هو الذي يعيد للتاريخ وجهته وللعدل قامته وللقرآن عمقه وميزانه .. وقول النبي (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) : ” لا يفترقان ” يحقق مفهوم الأمة الواحدة ..الغاية والمصطلح هما عنوان حركتنا المقدسة واتجاهنا للحركة والثورة .. وهذا التوحيد في مواجهة ظاهرة التفسيخ والتجزئة لا يمكن حدوثه وكينونته الحتمية المقدرة إلا بوجود خليفة الله المهدي (عليه السلام) على خلافة الأمة وقامة التاريخ و الجماهير… وهو وحده (عليه السلام ) القادر علي تأكيد ” العروة الوثقى ” كوجهة .. وإعلان حالة الأمة الواحدة المقسطة بكل مواصفاتها ..

” يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجوراوقد بينا في مباحثنا أن أهل البيت هم وحدة إلهية نورانية مخصوصة .. عمّق العلى القدير جذورها بالنبوة والنور ..

فكانت سلسلة نورانية مباركة متوالية يختمها الأئمة بعد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله الطاهرين ).. فيه دليل النور الحديثي :

قال النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) :

” إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ” ..

.. وكان خلاصة هذا الإصطفاء المعظم هو الأئمة الإثنى عشر النورانيين (عليه السلام) . (6)

(6) ابن سعد : الطبقات الكبرى : المجلد 1/17 ط دار الكتب العلمية بيروت 1/1418 ــ19997 صحيح مسلم ج4/1782 رقم 2276 دار إحياء التراث العربي – بيروت = صحيح الترمذي ج5/583 رقم 3606 دار إحياء التراث العربي – بيروت = مسند أحمد بن حنبل ج4/107 رقم 17027 مؤسسة قرطبة – القاهرة : بمشيئة الله سنفصل الموضوع في كتابنا : أجداد النبي الساجدون ” صلى الله عليهم وسلم

{” وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ }الأنبياء :73

.. وهكذا رأينا أن عمق وجهة المصطلح تتجه نحو تمام الخيرية في الحالة .. وهو قوله تعالى :

{“ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110 .

وهذه الخيرية المهداة المعجزة هي التي تستوعب مفهوم ” الأمة الواحدة ” باستيعابهم لروح القرآن واشتعالهم بنوره المقدس .. ويشار إلى إن هذه الآية وردت في القرآن لمرة واحدة ؟ وهو التوجه التوحيدي في الإعجاز القرآني .. وفي المختصر : نؤكد على الحقيقة الإلهية الربانية بأن أهل البيت عليهم السلام وعلى مدار التاريخ كانوا هم الواقفون على بوابة السنة وهم ” أهل السنة الحقيقيون ” الذين سيختم خليفة الله المتعالي وجهتهم وفخرهم الدنيا ويظهرهم على الدين كله .. حقيقة الله في الخلق والتواريخ والأزمان .. الحقيقة والأمة الواحدة المتوحدة بالنبوة والقرآن …


4 ـ الأمة الشاهدة

:

برز مصطلح ” الأمة الوسط الشاهدة ” في سياق قوله تعالى :

{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً }البقرة143 ..

ومصطلح : ” الأمة الشاهدة ” في القرآن لا يتكرر إلا مرة واحدة غير متكرر . ولكن المصطلح ” شهداء ” فقد ورد بعدد 14 مرة وهو عدد إعجازي تجئ قيمته بعدد مقدس وهم الأربعة عشر المعصومون : الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) والسيدة الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين وسيد المتقين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليها السلام )والحسن بن علي (عليها السلام ) والحسين بن علي (عليها السلام ) : سيدا شباب أهل الجنة ، وزين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) ومحمد بن علي الباقر (عليه السلام) وجعفر بن محمد الصادق (عليه السلام ) وموسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) وعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري وخليفة الله المهدي محمد بن الحسن (عليه السلام) .. وفي العدد 14 المذكور في المصطلح ” شهداء” لم يظهر فيها المصطلح : ” شهداء على الناس ” إلا مرة واحدة لإفادة حالة اختصاصية هو النبي الأعظم والأئمة من عترته المطهرين .. كما ظهر المصطلح ” شهداء بالقسط ” مرة واحدة .. وفيها الدليل الإعجازي وهو اختصاص قرآني يؤكد حالة المقسطين النورانية المخلوقة .:

المائدة :8 والآية الكريمة تؤكد قيمة الأمة الشاهدة وهم : أئمة آل البيت الإثنى عشر ” أنوار الهدى ” المطهرين من الرجس عليهم السلام . وهم وهكذا نرى القرآن الكريم يحمل في طياته البيان لحالة هؤلاء الشهود الربانيون

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لرءوف رَّحِيمٌ }البقرة143 ..

االأمة الشاهدة لها مهمة واحده محددة وهي الشهادة في العالمين لأنها الحجة .. فكان خلقهم شهادة نور وبيان حق الهي وسر مكنون في الخلق والجعل هو التكوين الإرادي الالهي والأمري ، وهم القبلة البوصلة التي يعرف بهم الحق من الباطل وهذا معنى القبلة في العمق التأويلي وهم حالة الفرز التاريخية والشاهدة ..وفية التقابل مع قوله

(صلى الله عليه وآله وسلم ) :

” أنا وعلي بن أبي طالب حجة الله على عباده “

” أنا وهذا ــ يعني علي ـ حجة على خلقه (1)

(1) تفسير الطبري ج9/81 وج7/ 137

لليعلم من يتبع الرسول ” في الوصية بالعترة والثقلين ” ممن ينقلب على عقبيه ” أي من يخالفهم يكون منقلبا مرتدا على عقبيه .. ويكون بالتالي عدوا لهم عليهم السلام . وهكذا ارتبط الجعل التكويني مع عالم الإرادة والاجتباء وهو ما جاء جليا في قوله تعالى :

{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78 .

ويلاحظ في الآيات الترابط الجدلي بين الحالة الجهادية الروحية الثورية وبين حالة الاجتباء والاصطفاء ووضعه في سياق الخيار الإبراهيمي الإسلامي الأول وهو التأكيد لحالة الطهر المقدسة .. وهذا يعني تجذير الحالة الأصولية والروحية وإنها ليست حالة عابرة في النبوة وإنما النبوة والولاية هم ذاتهم آل إبراهيم المصطفين الأخيار ،

وهذا في حد ذاته تأصيل لمفهوم الأمة في القرآن والأزل ” ان إبراهيم كان أمه “ ” هو سماكم المسلمين ” وهنا تبرز قيمة الشهادة في الأمة الإبراهيمية بأنها الأمة المحمدية . أي الأئمة المطهرين الذين ذكروا في القرآن والتوراة والإنجيل .. وأحاديث النبوة والأنبياء عليهم السلام أجمعين . اختصهم المولى سبحانه للشهادة على الناس وجدهم النبي الأعظم هو الذي يشهد عليهم .. بالبلاغ للرسالة في الأمة والخلق .(2)

(2) الطبري : جامع البيان ج9/81 : تفسير قوله تعالى : ” إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون (92


, فهم المجتبون بنص الآية وهم دعوة نبي الله إبراهيم (عليه السلام) ولهم الكرامة والشفاعة وفيهم ختم الدنيا بخليفة الله المهدي عليه وعليهم السلام أجمعين .. وهكذا يتواصل العطاء القرآني في تبيان الحقيقة الإلهية في هذه الأمة الشاهدة : قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }النساء135

والآية تحدد هم بأنهم الأمة القوامة بالعدل والقسط الإلهي ، ولا يمكن أن تكون أمة شاهدة وحالة قائمة على عودها بالثورة الإلهية إلا إذا كانت قيادتها ظاهرة بينه .. وبالحتم فهذه القيادة هي قيادة القائم بالحق خليفة الله المهدي عليه السلام وهو القوام بالعدل فيه قوله (صلى الله عليه وآله الطاهرين ) :

“” يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا “ وهذا في وجهتنا تأويل جوهرا الآية الكريمة ، هكذا تكون أمة المهدي الموعود هي بالتمام الأمة القائمة الناهضة بالمشروع الإلهي تكوينا وأمرا بدليل قوله تعالى : “كونوا قوامين ” وبهذا تكون أمة المهدي المستخلفة في الكون هي : ” الأمة القوامة الشاهدة ” المأمورة بالعدل لأنهم خاصة الله تعالى ولهذا يتواصل القرآن في وجهته التأصيلية ” الأمرية ”

في قوله تعالى :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }المائدة8

{ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }آل عمران140

.. وأصحاب المهدي الإلهيون هم المرشحون للشهادة فهم الأبدال المطهرون في خلاصة العترة . قال ابن جريج قوله : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد } قال : رسولها فيشهد عليها أن قد أبلغهم ما أرسله الله به إليهم { وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى عليها فاضت عيناه ” (3)

(3) الطبري : نفس المصدر ج9/ 221

وهؤلاء هم الأئمة وأبناء الأئمة عليهم السلام .. والله أعلم .. ” فذهب ابن عباس إلى أن { الشاهدين } هم الشهداء في قوله : { لتكونوا شهداء على الناس } [ البقرة : 143 ] وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ” وهم الأئمة والعترة ومن والاهم من الأمة يكون في مقامهم “وهذا الصعود الإجتبائي والاصطفائي هو الإشراق النوراني المهدوي فهو الأمة المحمدية والإبراهيمية .

{ وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ }الأعراف181

وهم العادلون النورانيون…

ققال الحق في علاه :

{ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }الزمر

هذه الدراسة المهمة بتاريخ 6 / 3/ /2007

على موقع أمة الزهراء عليها السلام

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله الطاهرين المنتجبين

______________

بقلمـــي

المفكر الاسلامي التجديدي

الشيخ محمد حسني البيومي

الهاشمي

” محمد نور الدين “

أهل البيت عليهم السلام

فلسطين المقدسة

نشرت أولا على موقع الساجدون في فلسطين

http://alsajdoon.wordpress.com/2010/10/12