الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

مصطلح المحجة البيضاء في القرآن والسنة : الشيخ والمكر الاسلامي محمد حسني البيومي الهاشمي


مصطلح المحجة البيضاء في القرآن والسنة

________________________

في قراءتنا التفسيرية للمصطلح القرآني : { الحجة } ذكرنا أن الحجة هو مصدر الدين وبوابة النبوة و محطة الاحتجاج .. بقوة الدليل ومصدرية التشريع الإلهي والنبوي .. وحتى تكون الحجة بالغة في العطاء استلزم أن يكون الحجة ربانيا في مصدرية العطاء والتطير والإلهام .. تأتيه جماهير المسلمين والأمم قاصديه لحل إشكالاتهم في دينهم ودنياهم ..

وهذا غير ممكنا إلا في النبوة والولاية كونهم المطهرين في الخلق والذين لا يقاس عليهم أحدا كما جاء في المصادر الحديثية عند جميع المسلمين .. وهذا التوصيف لا ينطبق سوى في الإمام علي عليه السلام ..

جاء في صحيح مسلم : فيما رواه زيد بن أرقم رضي الله عنه . قال : ” قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ ، وذكر ، ثم قال :

{ أما بعد : ألا أيها الناس ، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب , وأنا تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به }

فحث على كتاب الله ، ورغب فيه ثم قال : وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي }. فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده . قال ومن هم ؟ قال :هم آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل عباس . قال : كل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم .. ( (1)

وفي الحديث تبيان الوصية بالثقلين والمحجة البيضاء التي فيها الهدى والنور ، وأحاديث العترة والثقلين هي واسعة في المصادر الحديثية عند جميع المسلمين وفيها بالمجمل التأكيد على مصدرية المرجعية والمحجة والاحتجاج و النبي والإمام المنصوص عليه ، هم فقط من يملكون شرعية المحجة البيضاء وحق التصريف في الأصول الشرعية .

: المحجـة في اللغة :

( والمَحَجَّةُ الطريق وقيل جادَّةُ الطريق وقيل مَحَجَّة الطريق سَنَنُه والحَجَوَّجُ الطَّرِيقُ تستقيم مَرَّةً وتَعْوَجُّ أُخْرى وأَنشد أَجَدُّ أَيامُك من حَجَوَّجِ إِذا اسْتَقامَ مَرَّةً يُعَوَّجِ والحُجَّة البُرْهان وقيل الحُجَّة ما دُوفِعَ به الخصم وقال الأَزهري الحُجَّة الوجه الذي يكون به الظَّفَرُ عند الخصومة وهو رجل مِحْجاجٌ أَي جَدِلٌ والتَّحاجُّ التَّخاصُم وجمع الحُجَّةِ حُجَجٌ وحِجاجٌ وحاجَّه مُحاجَّةً وحِجاجاً نازعه الحُجَّةَ وحَجَّه يَحُجُّه حَجّاً غلبه على حُجَّتِه وفي الحديث فَحَجَّ آدمُ موسى أَي غَلَبَه بالحُجَّة ) : (2(

.. وفي المصطلح الحديثي النبوي هي قرينة متوازية مع اصطلاح : ” الثقلين “ و” البيضاء” هي التوصيف المجمل لمحتوي التطهير المطلق المستمر وهو المتمثل في قول الحق تعالى :

{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33

و ” العترة النبوية هي المطهرة” وأهل البيت عليهم السلام هم المخصوصون ، وأحاديث : العترة والثقلين ..هي التفصيل لمجمل معاني المصطلح : الوصية لوراثة النبوة ، وفي الحديث :

تركتكم على المحجة البيضاء

والوعي في اكتشاف عمق المصطلح هو اكتشاف لجوهر القرآن والنبوة ، وبالكلية هم النور الساطع في الأرض والحجة عقبا للنبوة : وبنزول قوله تعالى :

{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ }الشعراء214

كانت التخصيص لمفهوم ” المحجة ” وهو وريث النبوة : أمير المؤمنين عليه السلام في القرآن .. قولة صلوات الله عليه وسلامه :

{ إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا } (3(

فأحجم القوم عنها جميعا ، فقال أمير المؤمنين علي عليه السلام :

{ أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ صلى الله عليه وآله وسلم برقبته ثم قال:

{ إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا } ( 4 (

وحجة الله في العباد ، قال صلى الله عليه وآله :

{ أنا وعلي حجة الله على عباده }(5)

وقال : { أنا وهذا حجة الله على عباده } (6(

وقال صلى الله عليه وآله :

{ أنا وأنت يا علي من شجرة واحدة } وفي رواية :

{ الناس من شجر شتى، وأنا وعلي من شجرة واحدة } (7)

وقال صلى الله عليه وآله :

{ أنا خاتم الأنبياء و أنت يا علي خاتم الأولياء } (8 (

وللتأكيد على صريح المصطلح في أمير المؤمنين على عليه السلام :

{ يا علي أنت بمنزلة الكعبة } وهي : { المحجة } وقال صلى الله عليه وآله :

{ مثل علي في هذه الأمة كمثل الكعبة المستورة ــ أو المشهورة }:

{ النظر إليها عبادة والحج إليها فريضة } (9 (

وعبارة { الحج إليها ( هي التحديد لمفهوم المحجة وقال :

” أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتى فإن أتاك هؤلاء القوم فسلموها إليك ” يعني الخلافة ” فأقبل منهم وان لم يأتوك فلا تأتهم حتى يأتوك”

باب المحجة هو الباب الوحيد للهداية ولم يوصف ويقترن بها سوى أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وهذا الحديث له عميق المدلول لمفهوم : المحجة

. وفي السياق تذكر جملة الروايات الحديثية والتاريخية الواردة : والمحجة ” عن حذيفة بن اليمان قال : قالوا يارسول الله ألا تستخلف عليا ؟ قال : ” إن تولوها عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الصراط المستقيم ” (10) وفي رواية أخرى :

{ إن تستخلفوا عليا ولا أراكم فاعلين ، تجدوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة البيضاء } (11

) أي جسر الهداية و بوابة النبوة. كما في المدخل هم الدائرة المقدسة للاحتجاج ..

وقول النبي صلى الله عليه وآله :

{ ولا أراكم فاعلين } هو تحديد لبداية الابتعاد عن منبع خط المحجة البيضاء المطهرة .

وهكذا نري كتب المفسرين تؤكد بجملها أن هذا المصطلح ذو العمق النبوي يمتد الى نهاية الزمان ووعد الآخرة .. أي الربط بين أمير المؤمنين عليه السلام .. و خليفة الله المهدي الموعود عليه السلام من ولده ..

فقد بينتها الدراسة بما لا يدع مجالا للشك أنه أمير المؤمنـــين عليه السلام بوجــــه خاص و أهل البيت عليهم السلام بشكل عام . وقد ذكر أبو نعيم رحمه الله في الحلية :

) عن حذيــــفة قال :

( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن تستخلفوا عليا وما أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة البيضاء )

رواه إبراهيم بن هراسة عن الثوري عن أبي إسحاق عن زيـد بن يثيع عــن علي رضي الله تعالى عنه ” (12) ومعنى الحمل هو الدفع بالقوة العسكرية ..

{ وهو مقاتل الناكثين والقاسطين بوصية النبي الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وسلم } ..

وقد وردت هذه الدلالات في المفردات الحديثية العديدة .. وفيه .. ) عن عبد الرحمن بن بشير قال كنا جلوسا عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذ قال ليضربنكم رجل على تأويل القران كما ضربتكم على تنزيله فقال : أبو بكر أنا هو يا رسول الله قال لا قال عمر : أنا هو يا رسول الله قال لا ولكن صاحب النعل قال فانطلقنا فإذا علي يخصف نعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في حجرة عائشة فبشرناه ” (13(

وفي رواية أخرى : ” إن منكم من يقاتل على تأويل القران كما قاتلت على تنزيله فقال أبو بكر أنا هو يا رسول الله قال لا ولكنه هذا خاصف النعل وفي يد علي نعل يخصفها

وقد أشار صاحب كنز العمال للحديث النبوي : ” إن تستخلفـــوا أبا بكر تجدوه قويا في أمـــــر الله ضعيفا في بدنه وإن تستخلفوا عمر تجدوه قويا في أمر الله قويا في بدنه وإن تستخلفوا عليا ومـــا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة البيضاء ” .. وفي تاريخ دمشق برواية : { عن حذيفة قال ذكرت الإمارة أو الخلافة عنده فقال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم وآله ) : إن تؤمروا أبا بكر تجدوه ضعيفا في بدنه قويا في أمر الله وإن تؤمروا عمر تجدوه قويا في بدنه قويا في أمر الله وإن تؤمروا عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم } (14(

الحجة والمحجة هي المرجع في الهداية والرشاد والطهارة ، فأمير المؤمنين هو إمام السنة و منبع أهل السنة الأوائل .. بعد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وهو المحجة البيضاء وبمقام الكعبة المستورة التي تؤتى ولا تأتي كما في الحديث النبوي :

يا علي أنت بمنزلة الكعبة ” وكل هذه السمات موجودة في أمـــــير المؤمنين عليه السلام وأنصاره..

ومن يملك العلم والدليل يكون واقفا مع الحق والنبوة ومن يرفضها يكون نقيضا للحق الإلهي . قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

علي مع الحق والحق لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ” ( 15 )

وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم :

( علي مع القرآن و القرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ( 16 ) : (

وقد عرّف صاحب لسان العرب :

{ المحجة البيضاء”: بصاحب الدليل فقال: ” من عنده أَدلَّة هو جمع دَلِيل أَي بما قد علموا فيَدُلُّونَ عليه الناس يعني يخرجون من عنده فُقَهَاء فجعلهم أَنفسهم أَدلَّة مبالغة ودَلَلْت بهذا الطريق عرفته ودَلَلْتُ به أَدُلُّ دَلالة وأَدْلَلت بالـطريق إِدْلالاً والدَّلِيلة المَحَجَّة البيضاء وهي الدلو وقوله تعالى ثم جَعَلْنا الشمس عليه دَلِيلاً قيل معنــــــاه تَنْقُصه قليلاً والدَّلاَّل الذي يجمع بين البَيِّعَيْن والاسم الدَّلالة والدِّلالة ما جعلته للدَّليل أَو الدَّلاَّل } (17)

وهكذا قدمنا موجزا مهما لمفهوم المصطلح القرآني الحديثي .. ويتكامل هذا المصطلح مع مجموع المصطلحات القرآنية الكريمة التي تؤكد على الحقيقة الإلهية في الولاية .. ولله تعالى الحجة البالغة وهو خليفة الله في أرضه .. قال تعالى :

{ قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }الأنعام149

وبالله التوفيق ..

وصلى الله على نبينا المصطفى محمد وآله الطاهرين وصحابته المنتجبين

______________________________

المفكر الاسلامي التجديدي الشيخ

محمد حسني البيومي

الهاشمي

فلسطين المقدسة

______________________________

نشرت الدراسة قبيل سبعة سنوات في موقع أمة الزهراء عليها السلام

وتنشر مجددا في موقعنا

الساجدون

المراجـــــــــــع

(1) صحيح مسلم ج15/ ص 521 رقم 2408 ط دار المنار القاهرة ..

(2) لسان العرب : ج2/ 266 ، ج11/247 = مختار الصحاح ج1/167 = المصباح المنير ج1/121

(3) تاريخ دمشق : المصدر السابق ص 192 رقم 238

(4) تاريخ الطبري المجلد 1/ 542- 543 (مفصلا..) = كنز العمال ج13/ 114 رقم 36419

(5) ميزان الإعتدال : رقم 5649 ط عيسى الحلبي

(6) نفس المصدر رقم 8596

(7) السيوطي : تاريخ الخلفاء ص 136 ط دار الكتب العلمية بيروت

(8) ميزان الإعتدال نفس المصدر رقم 8596

(9) ابن المغازلي : مناقب أ مير المؤمنين علي عليه السلام ص 133 رقم 149 = تاريخ دمشق

(10) تاريخ دمشق ج42 / 419 رقم 9012

(11) مسند أحمد بن حنبل ج1/108 رقم 859 الناشر : مؤسسة قرطبة – القاهرة = المستدرك على شرط الصحيحين ج3/74/ رقم 4435 الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت = كنز العمال ج11 /915 رقم الحديث 32966 الناشر : مؤسسة الرسالة – بيروت 1989

الطبعة الأولى ، 1411 – 1990 = المعجم الأوسط ج2/341 الناشر : دار الحرمين – القاهرة ، 1415

(12) تاريخ دمشق ج42 /419 ،421 ،= ج11/ 48 رقم 9012 ، ، 9015 = تاريخ بغداد ج11/48 رقم 5728

(13) تاريخ دمشق ج42/455 رقم 0 904

(14) كنز العمال ج11 /951 رقم 33072 = تاريخ مدينة دمشق ج42/ 420 ، 421 رقم 9013 ، 9014 ، 9015 = مسند أحمد بن حنبل ج1/108 رقم 859 الناشر : مؤسسة قرطبة – القاهرة = المستدرك على شرط الصحيحين ج3/74/ رقم 4435 الناشر : دار الكتب العلميةبيروت = كنز العمال ج11 /915 رقم الحديث 32966 الناشر : مؤسسة الرسالةبيروت 1989

الطبعة الأولى ، 1411 – 1990 = المعجم الأوسط ج2/341 الناشر : دار الحرمين – القاهرة ، 1415

(15) (15) تاريخ مدينة دمشق ج 42 /449 رقم 9025 = تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ص322 رقم 7643 ترجمة : يوسف بن محمد المؤدب . ط دار الكتب العلمية بيروت ط : 1/ 1417ــ 1997

(16) تاريخ بغداد ج1/150 = مجمع الزوائد ج9/168 رقم 14972 = ينابيع المودة ج2/ 9 ــ ط طبعة الأعلمي بيروت ” = المستدرك :ج3/ 134 رقم 4628 الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت

الطبعة الأولى ، 1411 – 1990 = الطبراني : المعجم الأوسط ج5/135 رقم 4880الناشر : دار الحرمين – القاهرة ، 1415 = المعجم الصغير ج2/28 رقم 720 الناشر : المكتب الإسلامي , دار عمار – بيروت , عمان الطبعة الأولى ، 1405 – 1985 = (11) حلية الأولياء ج1/64 المؤلف : أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني

الناشر : دار الكتاب العربي – بيروت

(17) ابن منظور : لسان العرب ــ دار صادر بيروت ج11/ 247 باب ” دلل

طبعة الأولى ، 1997 = السيوطي : تاريخ الخلفاء ص 137

*****************

نشرت في موقعنا : المركزي موقع أمة الزهراء عليها السلام

نشرت بتاريخ : 10 مارس 2207

ثم نشرت الآن في موقعنا :

( الساجدون في فلسطين )

http://alsajdoon.wordpress.com/2010/08/11

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق