مصطلح
الشهادة
في
القرآن
( الحلقة الثانية )
ــ الشيخ والمفكر الاسلامي التجديدي
محمد حسني البيومي الهاشمي
الحلقة الثانية
ا
" وقال الزمخشري صاحب تفسير الكشاف بنفس الاتجاه في التأويل : " في محفل من نواصي الناس مشهود وقرئ فظلت أعناقهم لها خاضعة " وعن ابن عباس عليه السلام : " نزلت هذه الآية فينا وفي بني أمية قال : ستكون لنا الدولة عليهم فتذل أعناقهم لنا بصعوبة ويلحقهم هوان بعد عزة : أي وما يجدد لهم الله بوصية موعظة وتذكيرا إلا جددوا أعراضا عنه وكفرا به وحين أعرضوا عن الذكر فقد كذبوا به ، وحين كذبوا به فقد خف عندهم قدره وصار عرضة للاستهزاء والسخرية . لأنه من كان مصدقا به كان موقرا له " فسيأتيهم وعيدا وإنذارا بأنهم سيعلمون إذا مسهم عذاب الله يوم بدر أو يوم القيامة ما الشيء الذي كانوا يستهزئون به وهو القرآن وسيأتيهم أنباؤه وأحواله التي كانت خافية عليهم " (2)
(4) الزمخشري : الكشاف ج3/105 ط. دار الفكر
وعن كتابنا المهدي عليه السلام :
[وعن عمر بن حنظلة قال : سمعت أبا عبد الله ( جعفر الصادق عليه السلام ) يقول خمس علامات قبل القائم عليه السلام الصيحة والسفياني والخسف وقتل النفس الزكية واليماني فقلت جعلت فداك إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه ؟ قال : لا ، قال فلما كان الغد تلوت هذه الآية { إن نشأ .. } فقلت أهي الصيحة ، فقال : أما لو كانت خضعت أعناق أعداء الله عز وجل .. " (3)
(3) محمد فقيه : السفياني وعلامات الظهور ص 91
وعن أبي عبد الله عليه السلام أيضا قال : تخضع رقابهم يعني بني أمية وهي الصيحة من السماء باسم صاحب الأمر : المهدي عليه السلام " (4)
(4) تفسير القمي : المجلد الأول ص 118 رقم 2862 ،2683 = شبكة الكوثر الإسلامية
وقد ذكر الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي في تفسيره في قوله : { إن نشأ ننزل عليهم آية فظلت لهم أعناقهم لها خاضعين } أي : ذليلين وقال أبو حمزة الثمالي في هذه الآية : " بلغنا والله أعلم أنها صوت يسمع من السماء في النصف من شهر رمضان تخرج له العواتق من البيوت " ، وعن أبي أمامة : يكون في رمضان صوت قالوا : يا رسول الله في أوله أو أوسطه أو آخره ؟ قال : " بل في النصف من شهر رمضان ، إذا كانت ليلة النصف ليلة الجمعة ، يكون صوت من السماء يصعق له سبعون ألفا ويخرس فيه سبعون ألفا وتفتق فيه سبعون ألف عذراء " .. الخ الحديث (5)
(5) عقد الدرر في أخبار المنتظر ص 76 =
وللتوسع يراجع دراستنا المنشورة على حلقتين :
موقع الساجدون في فلسطين
http://alsajdoon.wordpress.com/2010/08/08
http://www.aralg.com/vb/showthread.php?t=85238
وعن أمير المؤمنين : وما هي ؟ قال : " اختلاف أهل الشام والرايات السود من خراسان والفزعة في شهر رمضان ، فقيل وما الفزعة في شهر رمضان ؟ قال : أوما سمعتم قول الله عز وجل في القرآن ..
{ إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين } ]
وهي آية تخرج الفتاة من خدرها وتوقظ النائم وتفزع اليقظان " (6)
(5) عقد الدرر في أخبار المنتظر ص 76 ، 78
وردة في وجه الشعراء هم الغاوون في زمن المسخرة !!
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78
مصطلح الشهادة لا يعني القتل :
في مباحثنا في المصطلح القرآني ذكرنا أن روح المصطلحات القرآنية بكليتها تتحدث بالتوجه نحو الحالة الاحيائية الخاتمة ونور الظهور المعلق في لغة القرآن بالمستقبل ( ليظهره على الدين كله ) ولهذا كان عنوان الثورة الالهية لمشروع الشهادة يركز وكما وجهتنا الروحية على وجود الثقافة الاحيائية ومصطلح الشهادة هي روحا إلهية نافذة في الاحياء ومن نور الله واسمه المحيي يكون عنوان مصطلح الشهادات وتحديد أشكالها ..
كتابنا : ( ظاهرة تصفية العملاء التاريخ وجذور الأزمة ) ص 306 ــ 312 ، ط1/ 1994ميلادية ، طبع بمطبعة الهيئة الخيرية بغزة
وأن مصطلح القتل في القرآن هو نور من نور الشريعة وشاهدا على نور الإشهاد وعالم الشهادة وهو قتال الظالمين وليس قتال المسلمين بروح الطائفية والمذهبية التي عطلت نور عالمية روحنا عن قلوبنا .. ولهذا كان للمقتول ظلما شهادة علية تسجل في عالم الأشهاد والأرواح فيكون قاتلها بتعظيم العلي الجبار وشهادة الميثاق بتحريم الظلم ظالما ومخلدا في النار !! والقتل في سبيل الله تعالى وهو ينبوع الجهاد الاسلامي الروحي السامي .. ذروة سنام الاسلام .. فلا تغطي الشهادة سياسة الزيف والدجل وهي روحا من نور العدل الالهي .. فالشاهد عن الأمة المرحومة هو النبي صلى الله عليه وآله الطاهرين هو الشاهد الفصل على الأمة والأمم وهو صلوات الله ورضوانه عليه لا يشهد على جور بالمطلق .. فقبول الشهادة تقتضي العدل .. وفي القضاء الاسلامي العدل لا تقبل شهادة فاسق أو ظالم أبدا ..
نفس المصدر السابق : (كتابنا : ( ظاهرة تصفية العملاء التاريخ وجذور الأزمة ) ص 308 ( شهادة الظلم والجور ) ، نفس الطبعة
مصطلح الشهادة هي شهادة ميثاق رب العالمين :
ولما كانت الشهادة هي الإقرار على الذات بالشهادة فيكون ذلك في الحضرة الإلهية وهو قوله تعالى :
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ] البقرة84..
وفي الأعراف اقترن الإقرار أيضا بالشهادة وهو قوله تعالى :
[{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ }آل عمران81 ..
وفي هذا الإقرار والاقتران يكون معه في الأزل الإقرار على نبوة محمد صلى الله عليه ولآله وسلم .. وهذا هو أصل الخلق والشهادة .. وفي وجهتنا نرى أن القراءة في المصطلح القرآني هي إنما تنطلق من تلك الحقيقة الإلهية ومن عمق الغيب الإلهي وهي شهادة الله المتعالي لذاته وشهادة ملكوته المعظم لهذه الوحدانية , والإقرار له بهذه الوحدانية .. فهو من عظمته وكبرياءه أن يشهد لذاته بذاته .
قال تعالى :
{ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالۡمَلاَئِكَةُ وَأُوۡلُوا۟ الۡعِلۡمِ قَآئِمَاً بِالۡقِسۡطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الۡعَزِيزُ الۡحَكِيمُ } : آل عمران / 18 ..
فشهادة الله العلية هي إحاطته تعالى بملكوته المعظم وبخلقه المكرم , فقد وضع تعالى بعد شهادته وملائكته له :
{ َأُوۡلُوا۟ الۡعِلۡمِ قَآئِمَاً بِالۡقِسۡطِ }
وأولوا العلم كما وضحناه في دراستنا
خلق آدم عليه السلام من أجل محمد وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام –منشورة على موقع أمة الزهراء عليها السلام منذ عام 2007 ميلادية
هم عترة النبي صلى الله عليه وآله الطاهرين وأهل بيته المطهرين في القرآن ... وهم خلفاء الله تعالى وبوابات علمه ، هم الذين يختم الله تعالى بهم الدين بقوة إلهية ، وهو الخليفة الخاتم المهدي الموعود عليه السلام فجعلهم في القرآن الراسخون في العلم وهو المبيّن في الحديث الشريف :
[ أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد الدين فيأت من بابها ] (4)
(4) المستدرك ج3/137 رقم الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت
الطبعة الأولى ، 1411 - 19904637
فكان الأمير علي بن أبي طالب عليه السلام هو الخليفة الأول في العترة المطهرين الذي يحمل السيف المقاتل والفتوة البالغة ويحمل علم النبوة الالهي بكليته الظاهرة والباطنة.. وذريته الأئمة المطهرين أنتجوا خياره الرباني في العلم والسيف ولكن الخليفة المحمدي الخاتم من ولده وهو المهدي الموعود عليه الصلاة والسلام هو الجامع الخاتم بين القوة العسكرية الضاربة في الكون ( السيف مثال ) وحامل العلم الالهي بقوة جبارة ولهذا جاء ذكره في التوراة أنه : ( جبار ابن جبار ) ..
وهم خلفاء الله في أرضه , والخليفة الإلهي هو ذلك النور المخلوق في الأزل وهو الذي حمله آدم أبو البشر عليه السلام في ظهره هدية الله لأهل الأرض والعالمين. ودخل آدم عليه السلام بهذا النور شاهدا في مدخل التاريخ الأول لمواجهة الشهادة السابقة .. نورا أليا في الميثاق الالهي يسجل :
قال تعالى :
{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ }آل عمران81
[ قَالُوٓا۟ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ) البقرة/ 30 ..
والشهادة الإلهية الخالصة خارج هذا السياق والدائرة الإلهية المعظمة لا تجعل الشهادة عميقة الوشيجة بين العالمية الربانية وعالمية الرسالة المحمدية الخاتمة وسماتها الالهية الربانية وبعدها الملكوتي ... وهي دائرة الغيب والتقدير الإلهي اللامحدود والشهادة حالة تنبثق من هذا العلم والاجتماع الملائكي إنما هو التأكيد على قدسية هذا العلم الإلهي ... ولهذا جاء النور الأول في الخلق الأول ذروة الكمال وهي النبوة النورانية المخبوءة في المستقر البشري المقدس. وما خطيئة آدم عليه السلام إلا شهادة نحو الدخول في هذا الصراع وترسيخ إلهي للتحدي أول ما سمع به إلا آدم عليه السلام سلمه الله تعالى في علاه بالعلم والنور الإلهي المحمدي يسطع في وجهه في العالمين, وكان القسم الإلهي والتوجه الأزلي الأول إلى الله تعالى في علاه (بحق محمد وآل محمد) هو ترسيخ الحقيقة والسر الإلهي في شهادة آدم عليه السلام ليرى في أول نظرة نورانية على بوابات العرش وساقه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله وصيته لأبنائه وذريته في الأنبياء والخلق.
أنظر موسوعة ابن عساكر ج23/280 (ترجمة شيت بن آدم عليه السلام)
فالنبي محمد وعترته المطهرين عليهم السلام أجمعين هم أولو العلم الإلهي وهم أول نور الله المخلوق في السماوات والأراضين السبع , وهم المقسطون العادلون وشهادتهم للعباد هي الشهادة لله تعالى والتي في مكنوناتها أزلية قبيل الخلق الأول ، ولم يكن يشهد لله في خلقه سوى الملائكة وأولوا العلم , وإخفاء الوضوح المحمدي في الآية إنما جاء للتعظيم الأزلي النوراني وإبرازه من خلال الشهادة المعظمة رمزيا في ختم الخلق في الأرض باتجاه الصعود نحو القدر الأول :
{ كَمَا خَلَقۡنَاكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٍ...] الأنعام/ 94 والرمزية في قيمة العدل والقسط الإلهية الخاتم في النبي الأعظم وهو المهدي المعظم [خليفة الله في الأرض ] وهو حامل هذه الرمزية المقدسة عليه صلوات الله وسلامه [قائما ] : أي شاهدا وهو القائم المهدي عليه السلام [ قائما ] كما في المصطلح الحديثي [بالقسط ] وهو النبي الأعظم بالعدل الإلهي المرسخ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الۡعَزِيزُ الۡحَكِيمُ) الأعراف/ 18
(بَقِيَّةُ اللّهِ خَيۡرٌ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) هود/8،9
والمهدي عليه السلام وهو خليفة الله تعالى هو الشاهد على الأمة في آخر الزمان يشهد بشهادة جده صلى الله عليه وآله وسلم وهو صاحبة البيعة الإلهية المقدسة : قال النبي صلى الله عليه وآله الطاهرين : ( بنا بدئ الدين وبمهدينا يختم ) فالشهادة الالهية في السياق هي حالة من الكمال الإلهي المقدس لرسم معلم المصطلح القرآني بالحكمة الإلهية:
(إِلاَّ هُوَ الۡعَزِيزُ الۡحَكِيمُ ) آل عمران/ 18 ولهذا كانت الشهادة الخاتمة كما البداية الأزلية المعظمة نورا محمديا موحدا وامتدادا صراعيا كائنا في مواجهة حزب الشيطان المريد وليؤسس النبي صلوات الله وسلامه عليه كما قال جدنا عبد المطلب عليه السلام [ملكا عظيما ] والشهادة إذا في سياق الشهادة الإلهية العلية هي الخطى نحو الكمال في تحقيق إرادة الله في المواجهة والصدام مع قوى الكفر والشهادة بمحتوياتها حركة تعبير عن الجهاد وثورة المواجهة مع كيانات الباطل {لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدًا } البقرة/143
قال تعالى :
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُ فِي الۡحَيَاةِ الدُّنۡيَا – إبليس وأعوانه - وَيُشۡهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلۡبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الۡخِصَامِ } البقرة/204
وفي الآية ثبوت الشهادة بالرجوع إلى الله تعالى فهو خير الشاهدين {قَالَ إِنِّي أُشۡهِدُ اللّهِ وَاشۡهَدُوا۟ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ } هود/54 .. فالشهادة لله تعالى هو إثبات التوحيد الخالص لله تعالى. ويعود السياق القرآني لإثبات حقيقة الشهادة العظمى قال تعالى: {شَهِدَ اللّهُ } , {لَّكِنِ اللّهُ يَشۡهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيۡكَ أَنزَلَهُ بِعِلۡمِهِ وَالۡمَلآئِكَةُ يَشۡهَدُونَ وَكَفَي بِاللّهِ شَهِيدًا } النساء/166
وهي الشهادة الكبرى والعظمى. قال تعالى:
(قُلۡ أَيُّ شَيۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الۡقُرۡآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ } الأنعام/19
فالقرآن في كل آياته يثبت حقيقة واحدة وهي التوحيد الخالص لله تعالى , والشهادة له تعالى وإليه وهي من أخص خصائصه والرجوع إليه تعالى في الشهادة هي إثبات وتأكيد لحقيقة الشهادة العظمى والإشهاد الخلقي {إِنِّي أُشۡهِدُ اللّه } هو تأكيد خالص لحالة الرجوع والإنابة للعلي القدير :
{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتۡهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا۟ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيۡهِ رَاجِعونَ } البقرة/ 156 ..
ولهذا تأبى المشيئة الإلهية إلا إثبات الحقائق الإلهية في الخلق وهي الحسم والربط بين المصطلح [راجعون ] والغاية [الإشهاد ].
قال تعالى:
{ فَاخۡتَلَفَ الۡأَحۡزَابُ مِن بَيۡنِهِمۡ فَوَيۡلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشۡهَدِ يَوۡمٍ عَظِيمٍ } مريم/37
ولهذا جعل الله تعالى في إحاطته [الشهادة ] في عمق كل الأشياء وهي أن كل الخلق يسبحون بحمده وشكره :
{إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمۡدَهِ } {يَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَيۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعۡمَلُونَ } النور/24 {الۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَى أَفۡوَاهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَا أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُمۡ بِمَا كَانُوا يَكۡسِبُونَ } يس/65, قال تعالى: {حَتَّي إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَارُهُمۡ وَجُلُودُهُمۡ بِمَا كَانُوا يَعۡمَلُونَ } فصلت/20, (وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَتِرُونَ أَنۡ يَشۡهَدَ عَلَيۡكُمۡ سَمۡعُكُمۡ وَلَا أَبۡصَارُكُمۡ وَلَا جُلُودُكُمۡ...) فصلت/22.
والاستثنائية القرآنية تؤكد انفراد حالة واحدة بالعبودية في السياق القرآني .. وهم أصل القسط والعدل {أُوۡلُوا۟ الۡعِلۡمِ قَآئِمَاً بِالۡقِسۡطِ }. قال تعالى :
(وَلَا يَمۡلِكُ الَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالۡحَقِّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ } الزخرف/86 والقرآن في استثنائيته يؤكد على الدوام القدرة الإلهية والحق الإلهي في كل الأشياء وهذه الاستثنائية هي مدلول الشهادة الكلية لله تعالى. أنظر مبحثنا: [الاستثنائية الإلهية في الإرادة ] ..
وفي ضوء قراءة المصطلح [الشهادة ] نؤكد أن هذا المصطلح يستوعب اتجاهاته العديدة في سياق ما ذكرناه في المدخل ونوجزه:
أولاً: الشهادة العظمى للنبوة المحمدية :
وهي مضمونها في الاستثنائية الإلهية ومرادها في الاصطفاء وهو قوله تعالى :
{ لَّكِنِ اللّهُ يَشۡهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيۡكَ أَنزَلَهُ بِعِلۡمِهِ وَالۡمَلآئِكَةُ يَشۡهَدُونَ وَكَفَي بِاللّهِ شَهِيدًا } النساء/166 , وهي من أكمل الآيات شمولية للشهادة , وقال تعالى : {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ....} آل عمران/18 وفيه قوله تعالى :
{قُلۡ أَيُّ شَيۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ } الأنعام/ 19 ,
وفي شهادة الله على أهل الباطل قال تعالى :
{وَاللّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَاذِبُونَ } التوبة/107 , الحشر/11
{وَاللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّ الۡمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } المنافقون/1
{مَا أَشۡهَدتُّهُمۡ خَلۡقَ السَّمَاوَاتِ وَالۡأَرۡضِ } الكهف/51.
جملة السياق يؤكد أن الشهادة الكبرى هي لله تعالى وحده
والآيات الكريمة التالية هي المحتوية على أبعاد مصطلح الشهادة :
{وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعۡمَلُونَ } آل عمران/98
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيۡءٍ شَهِيدًا } النساء/33, الأحزاب/55
{وَأَرۡسَلۡنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَي بِاللّهِ شَهِيدًا } النساء/79
{وَكَفَي بِاللّهِ شَهِيدًا } النساء/166
{فَكَفَي بِاللّهِ شَهِيدًا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ } يونس/29
(قُلۡ كَفَي بِاللّهِ شَهِيدًا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ وَمَنۡ عِندَهُ عِلۡمُ الۡكِتَابِ } الرعد/43
{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيۡءٍ شَهِيدٌ } الحج/17
(قُلۡ كَفَي بِاللَّهِ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ شَهِيدًا يَعۡلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالۡأَرۡضِ } العنكبوت/52
{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيۡءٍ شَهِيدٌ } سبأ/47
{أَوَلَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيۡءٍ شَهِيدٌ } فصلت/53
{هُوَ أَعۡلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَي بِهِ شَهِيدًا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ وَهُوَ الۡغَفُورُ الرَّحِيمُ } الأحقاف/8
{هُوَ الَّذِي أَرۡسَلَ رَسُولَهُ بِالۡهُدَى وَدِينِ الۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَي بِاللَّهِ شَهِيدًا} الفتح/28
{أَحۡصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيۡءٍ شَهِيدٌ } المجادلة/6
{الَّذِي لَهُ مُلۡكُ السَّمَاوَاتِ وَالۡأَرۡضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيۡءٍ شَهِيدٌ } البروج/9
ثانيا: شهادة الخلق والإقرار بالوحدانية :
قال تعالى:
{أقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ} البقرة/84,
{قَالُوا۟ أَقۡرَرۡنَا قَالَ فَاشۡهَدُوا۟ وَأَنَا۟ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ } آل عمران/81
وهي الشهادة الخالصة لله تعالى وهي المعرفة في المصطلح القرآني
[ شهادة الله ] وفيها قوله تعالى :
{وَلاَ نَكۡتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ } المائدة/ 106,
وفي الآية يرسم القرآن دائرة هامة تستوعب حالة الشهادة الإلهية. وهي التي ينبثق من خلالها دوائر الشهادة والإثبات لحق الله وتوحيده الخالص في حركة الخلق والإرادة والوجود , وهي المحددة في القرآن في قوله تعالى :
{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ } وفيها إرادة الحق في الرسالة والنبوة والكتاب.
[ مبحثنا في المصطلح القرآني : الإرادة الإلهية ]
منشور على موقعنا : ( موقع المصطلح القرآني )
http://mostalahkoraan.blogspot.com/2010/10/blog-post.html
وموقعنا ( موقع الساجدون في فلسطين )
http://alsajdoon.wordpress.com/2010/08/11
ثالثا: شهادة الرسول والنبي الأعظم على الخلق
صلى الله عليه وآله الطاهرين
قال تعالى :
{وَكَذَلِكَ جَعَلۡنَاكُمۡ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدًا } البقرة/ 143 ,
وفيه أيضا قوله تعالى:
{فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا } النساء/ 41
{وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيۡهِم مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ وَجِئۡنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ الۡكِتَابَ تِبۡيَانًا لِّكُلِّ شَيۡءٍ وَهُدًى وَرَحۡمَةً وَبُشۡرَي لِلۡمُسۡلِمِينَ } النحل/89 , [أنظر: النساء/159 ]
{مِّلَّةَ أَبِيكُمۡ إِبۡرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الۡمُسۡلِمينَ مِن قَبۡلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيۡكُمۡ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ] الحج/78
{وَنَزَعۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلۡنَا هَاتُوا بُرۡهَانَكُمۡ } القصص/75
وشهادة الأنبياء والأئمة عليهم السلام على الناس هي شهادة ربانية على أقوالهم , فكل نبي حجة إلهية على قومه والرسول صلوات الله وسلامه عليه هو إمام الشاهدين في الخلق. [ أنظر مبحثنا : مصطلح حجة الله]
رابعا: شهادة الأئمة والأنبياء عليهم السلام على الناس :
قال تعالى في تبيان خصائص هذه الشهادة للأئمة الطاهرين والأنبياء المصطفين عليهم السلام {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } البقرة/ 143 ..
والأمة الوسط كما ذكرنا في قراءتنا لمصطلح [الأمة ] في القرآن هم العترة المطهرين من سلالة الشرف النبوي المعظم صلى الله عليه وآله المطهرين.. كما هم الشهداء على الناس كافة. قال صلى الله عليه وآله :
[ أنا وعلي بن أبي طالب حجة الله على خلقه ]
الشيخ محمد حسني البيومي الهاشمي ــ
مصطلح الحجة في القرآن الكريم
http://mostalahkoraan.blogspot.com/2010/10/blog-post_03.html
قال تعالى :
{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً }النساء41 وشهادة والأنبياء عليهم السلام محدودة في أقوامهم و الشهادة الكلية هي فقط للنبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله . وجاء في المائدة الدليل لكلام السيد المسيح عليه السلام , قال تعالى :
{مَا قُلۡتُ لَهُمۡ إِلاَّ مَا أَمَرۡتَنِي بِهِ أَنِ اعۡبُدُوا۟ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡ وَكُنتُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدًا مَّا دُمۡتُ فِيهِمۡ فَلَمَّا تَوَفَّيۡتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيۡهِمۡ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيۡءٍ شَهِيدٌ } المائدة/117
فالشهادة إذا هي يوم المحشر والحساب. يكون الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله هو الشاهد الأعظم على الأنبياء والأئمة عليهم السلام ..والناس أجمعين... والله خير الشاهدين..
قال تعالى :
{وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لاَ يُؤۡذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَلاَ هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ } النحل/84
قال تعالى:
{وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيۡكُمۡ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ...} الحج/78
خامسا: شهادة الملائكة :
وهي دليل إثبات على العباد في الرسالات الإلهية , فهم لهم مناط التكليف الإلهي عليهم السلام. وهم الموكلون عليهم السلام بالعباد والشاهدون على أعمالهم يرفعونها بالدعوات والغفران الى الله العلى في علاه ..
{ وَالۡمَلآئِكَةُ يَشۡهَدُونَ وَكَفَي بِاللّهِ شَهِيدًا } النساء/
وفيه قوله تعالى:
(شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالۡمَلاَئِكَةُ وَأُوۡلُوا۟ الۡعِلۡمِ قَآئِمَاً بِالۡقِسۡطِ) آل عمران/18
وبهذا قسّم العلى الكبير مناط الشهادة : له ذاته تعالى وللنبي وآله عليهم الصلاة والسلام والملائكة عليهم السلام . وهم المحتضنون بشهادتهم العلية أرواح الشهداء والصالحين الى عليين . قال تعالى :
{لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }الأنبياء103
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وابشروا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } فصلت: 30
وهم في السياق عليهم السلام موكلون بالعذاب قال تعالى :
{فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } : محمد27
سادسا: شهادة الشهداء عامة :
وتجيئ شهادتهم النورانية من نور أنبيائهم الشهود في الأمم عليهم السلام وبركاتهم مع بركات الأنبياء عليهم السلام نازلة .. وطاعة الشهداء للنبيين هو باب النعمة المسداة لهم وحسن أولئك رفيقا ..
وفيه قوله تعالى :
{وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوۡلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنۡعَمَ اللّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } النساء/69
فهم الشاهدون على الأمم في كل عصر وهم حملة رسالات الأنبياء والصالحين ومعظمهم من عترة النبي محمد صلى الله عليه وآله وعترة الأنبياء الأخيار عليهم السلام . وسموا بالأئمة لأنهم أبناء الأنبياء الأئمة (أولو العزم) عليهم السلام. والنبي محمد صلى الله عليه وآله هو خير الأئمة وإمام الأئمة عليهم السلام والأئمة الاثنى عشر من عترته المطهرين هم سادة الأئمة في الخلق .. والرسول محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين هو الحجة على الأنبياء عليهم السلام والناس أجمعين (حجة الله على الخلق) (حجة الله على عباده).... الحديث...
وفيه قوله تعالى :
(طس تِلۡكَ آيَاتُ الۡقُرۡآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ هُدًى وَبُشۡرَي لِلۡمُؤۡمِنِينَ) النمل/1-2.
فالكتاب المبين هو الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وآياته (معجزاته) هم الأئمة عليهم الصلاة والتسليم. قال تعالى :
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوۡلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء } ...
سابعا: الشهادة على الذات والنفس
وهذه الشهادة الشفافة والأحادية هي تجليات مع روح الشهادة الإلهية العظمى . كجدلية الحساب والعقاب والأجر والثواب وهذه متعلقة كما ذكرنا بموضوع [الإقرار ] في القرآن [ أقررتم ]. قال تعالى :
{وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَى أَنفُسِهِمۡ ألستَۡ بِرَبِّكُمۡ قَالُوا۟ بَلَي شَهِدۡنَا أَن تَقُولُوا۟ يَوۡمَ الۡقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَذَا غَافِلِينَ} الأعراف/ 172,
وهذه الشهادة الأزلية هي في عالم الروح والذر قبل الخلق لآدم عليه السلام أشهد الله تعالى الخلق وأرواحهم على وحدانيته ونبوة نبيه المختار محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وشهد الأنبياء عليهم السلام والخلق أجمعين . وأقيمت الحجة على الأرواح أجمعين ليكون الحساب والعقاب في الأفعال. وفي قصة النبي يوسف الصديق عليه السلام قال تعالى بلسان إخوته :
{إِنَّ ابۡنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدۡنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمۡنَا وَمَا كُنَّا لِلۡغَيۡبِ حَافِظِينَ) يوسف/8
إقرار واعتراف بالشهادة على النفس مع إدراك عدم العلم بالغيب.
قال تعالى: {فَأۡتُوا بِهِ عَلَى أَعۡيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡهَدُونَ } الأنبياء/61 ,
فالمشاهدة حجة واللسان حجة وكل شيء ينطق له شهادة عند الله وهو حالة العباد والخلق . يشهد لذاته وعلى ذاته .. وهنا يبدوا علاقة الشاهد والمشهود وهي علاقة مترابطة وفق قانون الخلق ، ولعل الحديث عن الشهادة على الذات يفتح لنا وعيا آخر في مركبات مفهوم الشهادة لتتكامل في إرساء مفهوم [ الأمة الشاهدة ] (6)
(6)أنظر : قراءتنا في : مصطلح الأمة في القرآن : الأمة الشاهدة ..
وهذا الاصطلاح يدفع بتكاملية كاملة بين الإنسان أو الفرد وحالة الإشهاد الذاتي ، وهي ما ينجم عنها ولادة الحالة الشاهدة.. وكساؤها ( ثورة التقوى ) ليبرز مفهوم الأمة الشاهدة وهي ذروة في الإخلاص والتفاني في الطاعة الإلهية وتأهيلها الى التقوى واستلهام الرضا الإلهي .. ولهذا يكون البعد الاستشهادي اللامحدود في الحالة يؤكد الشهادة كوظيفة لهذه الأمة .. وهنا لا تكون الفوارق بينة بين مركبات الحالة الشاهدة والبعد الاستشهادي .. وفيها التأكيد على العزة الإلهية بإعلاء مقام الذات من خلال التفاني في الشهادة ودون القتال والدم لا تعطي لحياة الأمة وظيفة العزة ( وما ترك قوما الجهاد الا ذلوا ) و الشهادة وفيه قول النبي الأعظم :
{ سَمِعَتَا أَبَا أمامه ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: { مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ يَغْدُو عَلَيْهِمْ فَدَّانٌ إِلا ذُلُّوا }
. الطبراني : الكبير ج2/7/342 رقم 8048 مصدر الكتاب : ملفات وورد على ملتقى أهل الحديث http://www.ahlalhdeeth.com = أنظر أيضا : الناشر : مكتبة العلوم والحكم – الموصل ـ الطبعة الثانية ، 1404 - 1983
وعلى هذه الأرضية تكون الشهادة على الأمم من خلال مركزية حالة الشهادة وهو النبي صلى الله عليه وآله وعترته من الأئمة المطهرين عليهم السلام وهو قوله تعالى :
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لرءوف رَّحِيمٌ }البقرة143..
والقبلة الأولى [ القدس ] هي مركزية الفرز الثوري والقبلة الثانية هي قاعدة الاحتجاج و الثورة الإلهية نحو الإشهاد والشهادة ..والقبلة والمرجعية الجديدة الآتي فيها الفرز الإيماني وإبراز الشهود العظام على الناس
{ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } .
والشهادة على الذات فيها تأكيد القبول والإقرار والعهد وهو [ الميثاق ]
أنظر : بحثنا: مصطلح الميثاق والعروة الوثقى ( تحت الطبع )
وحالة الشهادة الأممية هي غرس من قلب النبوة والعترة المطهرة عليهم الصلاة والسلام ..
[ جماهير الشاهدون ] وفي آيات سورة الأنعام قوله تعالى:
{ يَا مَعۡشَرَ الۡجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٌ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَاء يَوۡمِكُمۡ هَذَا قَالُوا۟ شَهِدۡنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتۡهُمُ الۡحَيَاةُ الدُّنۡيَا وَشَهِدُوا۟ عَلَى أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُوا۟ كَافِرِينَ) الأنعام/130,
وقال تعالى:
(أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَاء إِذۡ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَذَا فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ افۡتَرَي عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيۡرِ عِلۡمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهۡدِى الۡقَوۡمَ الظَّالِمِينَ) الأنعام/144.
وفي مواجهة شهادات الإقرار بالزيف والغدر والتكذيب قال تعالى في علاه لنبيه صلى الله عليه وآله:
(قُلۡ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشۡهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِن شَهِدُوا۟ فَلاَ تَشۡهَدۡ مَعَهُمۡ وَلاَ تَتَّبِعۡ أَهۡوَاء الَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤۡمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمۡ يَعۡدِلُونَ) الأنعام:150.
وبهذا يضع القرآن بوصلة الفرز الإيماني نحو الكمال والشهادة من خلال تحديد مقام الشهادة كما في القرآن بين القدس ومكة وحدة القبلتين في قبلة واحدة وهو النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهو الحجة على العالمين وفيه قوله صلى الله عليه وآله الطاهرين لأمير المؤمنين عليه السلام :
[عن الصُنابحي عن علي قال رسول الله صلى الله عليه وآله الطاهرين : " أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي فإن أتاك هؤلاء القوم فسلموها إليك – يعني الخلافة – فاقبل منهم ، وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتى يأتوك "
أسد الغابة في معرفة الصحابة المجلد الثالث ص 608
وبهذا تحدد قيمة الشهادة بتبيان الحجة والمرجعية الشرعية للأمة وأمير المؤمنين علي عليه السلام هو وريث النبوة بصحيح الأحاديث ، وهو الحجة والمحجة وبمقام الكعبة المشرفة .. وهو المقصود في الآية والأئمة من ولده عليهم السلام هم الآيات والمكذبين بهم مكذبون بالشهادة والإقرار بالتوحيد والنبوة ..
أنظر مبحثنا: مصطلح آيات الله في القرآن الكريم .
منشور على موقعنا ( موقع الساجدون في فلسطين )
http://alsajdoon.wordpress.com/2010/08/11
منابر العراق الثقافية
http://manaberaliraq.net/vb/showthread.php?t=17429
وهو قوله تعالى:
[وَشَهِدُوا۟ عَلَى أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُوا۟ كَافِرِينَ ]
الأنعام/130 , الأعراف : 37.
وهكذا نرى في جميع قراءة الآيات الوارد فيها مصطلح [الشهادة ] و [الإشهاد: الإقرار ]أن مفهوم الشهادة ليس القتل في سبيل الله, وهناك فروق بين المصطلحين . وتجيء الآيات الواردة في الشهادة لتكشف عن عمق العلاقة الجدلية بين الروح وعالم الإرادة الإلهية
{قُلِ الرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الۡعِلۡمِ إِلاَّ قَلِيلاً } الإسراء/ 85
وفي الموضوع قوله تعالى في علاه (في الشهادات)
{يَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَيۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعۡمَلُونَ } النور/24
{لَوۡلَا جَاؤُوا عَلَيۡهِ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذۡ لَمۡ يَأۡتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوۡلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الۡكَاذِبُونَ } النور/13
{فَإِذَا دَفَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ أَمۡوَالَهُمۡ فَأَشۡهِدُوا۟ عَلَيۡهِمۡ وَكَفَي بِاللّهِ حَسِيبًا } النساء/6
{فَاسۡتَشۡهِدُوا۟ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعةً مِّنكُمۡ } النساء/15
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّامِينَ بِالۡقِسۡطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوۡ عَلَى أَنفُسِكُمۡ أَوِ الۡوَالِدَيۡنِ وَالأَقۡرَبِينَ...} النساء/135
{قَالُوا۟ شَهِدۡنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتۡهُمُ الۡحَيَاةُ الدُّنۡيَا وَشَهِدُوا۟ عَلَى أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُوا۟ كَافِرِينَ } الأنعام/130
{قُلۡ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشۡهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِن شَهِدُوا۟ فَلاَ تَشۡهَدۡ مَعَهُمۡ وَلاَ تَتَّبِعۡ أَهۡوَاء الَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِآيَاتِنَا..} الأنعام/150
{وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الۡمُؤۡمِنِينَ } النور/2
{وَالَّذِينَ يَرۡمُونَ الۡمُحۡصَنَاتِ ثُمَّ لَمۡ يَأۡتُوا بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَاء فَاجۡلِدُوهُمۡ } النور/4
{وَالَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَاجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمۡ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } النور/6
{تَشۡهَدَ أَرۡبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الۡكَاذِبِينَ } النور/8
{وَالَّذِينَ لَا يَشۡهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغۡوِ مَرُّوا كِرَامًا } الفرقان/72
ومنه يكشف عن أزمة الزيف المنهجي والتقارير المزورة. وقد أفردنا كتابا هاما في الموضوع بعنوان : (الغيبة في المفهوم الشرعي والسياسي: أزمة التقارير المزورة – باب التقارير المزورة وعلاقتها بالشهادات)
موقعتنا ( مركز دراسات أمة الزهراء عليها السلام )
: نشرت الدراسة المهمة على العديد من مراكز الدراسات والمواقع الاسلامية
http://elzahracenter.wordpress.com/2010/08/29
http://omat-alzahraa.blogspot.com/2010/10/blog-post_07.html
موقعنا ( موقع الساجدون في فلسطين )
http://alsajdoon.wordpress.com/2010/10/07
http://wwww.palestineonly.net/vb/showthread.php?t=73525
منابر العراق الثقافية
http://174.121.164.130/~manabera/vb/showthread.php?t=17834
علاقة مصطلح (الشهادة) بمصطلح (القتل)
في قراءتنا لمصطلح (الشهادة) لزم التعريف أن الشهادة كمفهوم إلهي أصلا لا يتعلق بالموت والقتل, وحسب ما ذكرنا في مبحثنا أشرنا أن الشهادة حالة إلهية انبثقت منا وعليها ظاهرة الأنبياء عليهم السلام كحالة اصطفاء وشهادة على الناس تتعلق بالحساب والعقاب والثواب, والقتل في سبيل الله تعالى كمصطلح قرآني وكحالة متعلقة بالمفهوم والاصطلاح الجهادي خاضع من أساسه للشهادة لحالة إلهية ونبوية مصطفاة. فالأنبياء عليهم السلام يشهدون لمعرفتهم بالله والوحي بأن المقتول شهيد أم مجرد قتيل يحارب وليس له ثمة [ شهادة في سبيل الله ]. وهي ما يعرق بالمصطلح القرآني والحديثي ب[البشارة ] وهكذا نفهم في سياق آيات القرآن الواردة في هذا المصطلح (القتل, القتال) هو تحديدها حسب السياق القرآني (قتل في سبيل الله تعالى) أم (ليس في سبيل الله تعالى), وحسب الآيات القرآنية لا يوجد في السياق أن اسمها [شهادة ]
قال تعالى:
[وَلاَ تَقُولُوا۟ لِمَنۡ يُقۡتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمۡوَاتٌ بَلۡ أَحۡيَاء وَلَكِن لاَّ تَشۡعُرُونَ ] البقرة/154.
فهي حسب المصطلح الحديثي والقرآني حالة إحياء في الأمة . ولهذا تعلق من حيث الإحياء والموت في العباد , ولهذا سمي القتل [إحياء ] وسميت الشهادة [إشهادا على النفس والعباد ] {وَلَكِن لاَّ تَشۡعُرُونَ } أي أن المقتول في سبيل الله تعالى يمثل حالة وجودية وإحيائية في عالم الموجودات. وهم موجودون كأرواح مباركة في هذا العالم, ولهذا كان القتل والقتال في سبيل الله تعالى خارج سياق الفتنة لأن الفتنة كما قوله تعالى فعلاه (وَالۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ الۡقَتۡلِ) وهو مراده في المصطلح الجهادي لإيصال حق الله تعالى للعباد, وبالتالي المجاهدون هم الشاهدون في البلاغ الإسلامي والتوحيدي والشهادة متعلقة بحالة الجهاد والدعوة بكل الوسائل يسمى جهادا. وقد يأخذ المجاهد صفات [الشهادة أو الشاهد ] وقد لا يأخذها فهذا معلق بالله تعالى, وحال الاصطفاء , فالقتلى في سبيل الله تعالى اختارهم الله تعالى في الأزل لهذا الخيار الإلهي في الرسالات
قال تعالى:
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ انقَلَبۡتُمۡ عَلَى أَعۡقَابِكُمۡ.. } آل عمران/ 144
فالنبي صلى الله عليه وآله هو سيد الأنبياء والخلق أجمعين لم يقتل في سبيل الله تعالى, ولو قتل في سبيل الله تعالى لا يضيف جديدا إلى صفته كشاهد على الأمم والخلائق والشفاعة, فالشهادة أشمل من القتل كحالة ومصطلح كما ذكرنا, ومع هذا جعل الله تعالى للمقتول في سبيل الله تعالى أجرا معظما وشهادة من نوع خاص, قال تعالى:
(وَلَئِن قُتِلۡتُمۡ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوۡ مُتُّمۡ لَمَغۡفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحۡمَةٌ خَيۡرٌ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ) آل عمران/157
وقال تعالى في وعده لهم علهم السلام:
(لأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّئَاتِهِمۡ وَلأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّاتٍ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا الأَنۡهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسۡنُ الثَّوَابِ) آل عمران/ 195, (فَلۡيُقَاتِلۡ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشۡرُونَ الۡحَيَاةَ الدُّنۡيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلۡ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقۡتَلۡ أَو يَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمًا) النساء/74
فالأجر العظيم هو للتضحية بالنفس والمال.. [من جهز غازيا فقد غزا ] فالغزو غير القتل والجهاد له أجر معظم وقد يكون له أجر أكثر من القتل وهذا معلق بالعطاء الإلهي للعباد
قال النبي صلى الله عليه وآله :
[(الحسن والحسين سيدا شهداء أهل الجنة ]
[الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ]
[الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ]
فالأهل الاصطفاء والشهادة على الناس أجمعين كما قلنا للأنبياء والأئمة عليهم السلام فهم حجج الله تعالى على خلقه , فالحجة على الخلق أعظم الشهادة في سبيل الله وأعظم من القتل في سبيل الله ، وهناك أعمال تعادل القتل في سبيل الله تعالى في الأجر والمقام عند الله تعالى كما جاء في الأحاديث , ولكن لا يعدل بالشهادة كمقام إلهي واصطفاء رباني عمل مهما بذل صاحبه من مال ودم ؟؟ لكن يكون معهم وفي درجاتهم كما جاء في جملة الأحاديث.. وليس أهل الدرجة الواحدة في المقام عند الله تعالى سواء ..
وفي الحديث الذي رواه مسلم في الصحيح:
[ أن رجلا أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله , الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل ليذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه , فمن في سبيل الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله]
صحيح مسلم ج3/42 رقم 1904
وفي رواية: [ سئل رسول الله صلى الله عليه وآله نعن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حميّة ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ]
المستدرك ج2/119 رقم 2520, شعب الإيمان ج4/130 رقم 4263 = صحيح البخاري ج3/1137 رقم 1904 ط دار ابن كثير (بيروت) ط 3/1407 – 1987 = سنن النسائي الكبرى ج2/310 رقم 3556 ، 3559
وبهذا نرى جملة الأحاديث الواردة في موضوع القتل تصف المقاتل في سبيل ماله وعرضه ووطنه شهيدا , وفيه :
[ روي النسائي عن علقمة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله الطاهرين : من قتل دون مظلمته فهو شهيد ..
سنن النسائي ج7/ 116 رقم 4093 ، 4096 الناشر : مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب الطبعة الثانية ، 1406 - 1986
[عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من قاتل دون ماله فهو شهيد ومن قاتل دون دمه فهو شهيد ومن قاتل دون أهله فهو شهيد ] ..
سنن النسائي ج 7, 8/132 رقم 4103, 4107, رقم 4101 = الترمذي ج3/449 رقم 1418, 1419
[ ومن قاتل دون دينه فهو شهيد.. ]
المصدر ص 133 رقم 4106 سنن النسائي
[من قاتل دون ماله فقتل فهو شهيد ]
رقم 4096 سنن النسائي
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله الطاهرين : [ ما من أحد من أهل الجنة يسره أن يرجع إلى الدنيا غير الشهيد فإنه يحب أن يرجع إلى الدنيا يقول حتى أقتل عشر مرات في سبيل الله مما يرى ما أعطاه من الكرامة ]
سنن الترمذي ج3/584 (باب ثواب الشهيد) رقم 1661 ط دار الحديث القاهرة/ 1419 – 1999
وعن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
[ من قتل دون ماله فهو شهيد ] ـ مكرر ـ
سنن الترمذي ج3/450 رقم 1421م
وهكذا نرى في قراءة هذا المبحث أن مصطلح القتل في سبيل الله يرادف مصطلح الشهادة وأن دم الشهيد له شهادة عند الله تعالى تضاف إلى محياه الجلل وقضية الإحياء والحياة للشهيد لها معناها الخاص والروحي المتعاظم , وبهذا تكون شهادة القتل وهي أرقى الشهادات والأعمال [شهيد الدم ] عند الله تعالى, يقدم روحه عن الأمة ويقدم شهادة الله في روحه نيابة عن الأمة والدين والعقيدة .. ويشهد في محضر الحق وهو على ميتته حتى يوم المحشر العظيم ..على حالة الخونة والمرتدين والمفسدين وباعة الأوطان , وكذلك يشهد على المتقين من رفاقه المجاهدين بأنهم أدوا أمانة الله بحق في الأرض وهم بين يدي الرحمن الرحيم يسجلون بجموعهم ودمائهم ثورة روحية متجددة. ومن هنا في تعانق المصطلحين ورغم التباين في الحالة إلا أن هناك في عمق المصطلح الشهادة نوعا اصطفائيا خاصا لا يرقى إليه الشهداء أجمعون وهو مسجل في قدر الله وغيبه للنبي الأعظم وآل بيته الأخيار المصطفين عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين, فهم سادة الشهداء وسادة الخلق , ومن حولهم من المحبين والمصطفين لهم الدرجة التي تليهم في النور العظيم . وقد ذكر الزمخشري رحمه الله في الكشاف قال :
[ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من مات على حب آل محمد مات شهيدا ألا ومن مات على حب أل محمد مات مغفورا له ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه : آيس من رحمة الله ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة ]
الزمخشري : تفسير الكشاف ج1/1156 قوله تعالى: [قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور (23 = القرطبي : الجامع لأحكام القرآن ج16/ 20 نفس الآية = تفسير الثعالبي ج1/ 1156 الناشر : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت ]
وقال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله: [والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ونزلت إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل علي قالوا : جاء خير البرية] ..
السيوطي : الدر المنثور ج8/589 الناشر : دار الفكر - بيروت ، 1993
[ فهم الفائزون بحبهم وولائهم وولايتهم لهؤلاء القديسين العظماء . لهم شهادة على الناس بولايتهم ولهم شهادة بدمهم المقدس , وهكذا يجيء شهداء القتال والدين وكل الاستشهاديين لهم من الكرامة المعظمة وعلو الشأن ما يفوق الأقران من المجاهدين , والرسول صلى الله عليه وآله وعترته عليهم السلام والملائكة يشهدون لهم ولدمهم بالقداسة .. وهم العشاق الإلهيون يدفعون قلوبهم ودمهم من أجل الله تعالى والنبي والعترة .. عليهما صلوات الله وسلامه . مرفوعون بالعلي الى درجاتهم تحت عرش الرحمن .. وبهذا قدم القرآن الغيب على الشهادة .. فكانوا من عمق الغيب يولدون ويستشهدون ..
وفي قراءتنا الموجزة للمصطلحين ينبثق منهما اصطلاحات عديدة .
نراها هامة بمكان للتدليل عليهما في مباحثنا . ومنها مثلا مصطلح :
- عالم الغيب والشهادة: (الأنعام/73, التوبة/94, 105, الرعد/9,
- المؤمنون/92, السجدة/6, والزمر/46, الحشر/22, الجمعة/8, التغابن/8, و
وهنا في سياق المصطلح بكسر اللام تعني الله تعالى في علاه في علمه, وبالفتح للام عالَم يعني عالمية الغيب الإلهي , والمصطلح له وجهان للاستخدام والتعبير. وفي هذا المصطلح ينبثق مثلا اصطلاحات هامة ولكنها لا ترتقي لذات المصطلح القرآني : مثال
الشاهدون على الأمم : ( البقرة/143 )
وهو مصطلح خاص كما بيناه بآل البيت النبوي عليهم السلام والأئمة عليهم السلام بشكل خاص, فهم الشاهدون والشهود والحجج...
- الشهداء الصادقون والشاهدون الصادقون النساء/69, النور/6, الحديد/19
الشهادة الملكوتية: النساء/66, آل عمران/18
الشهداء المقسطون – الشاهدون المقسطون: آل عمران/18
- الشهداء المنعمون: النساء/69
- النبوة الشاهدة – النبوة الشهيدة: البقرة/143
- الأمة الشاهدة – الأمة الوسط الشاهدة: البقرة/143
- شهادة الأمة الوسط: البقرة/143
- عالمية الشهادة: البقرة/143
- النبي الشاهد – الرسول الشاهد: البقرة/ 143
- الحضور الاستشهادي: البقرة 143
- الإحيائية الاستشهادية: البقرة/154 ــ الشهادة العادلة – الشهادة المقسطة – القسط الاستشهادي – شهادة المقسطين – الشهادة الإلهية للمقسطين : آل عمران/18
- الشهداء المقسطون : آل عمران/ 18, البقرة/282
- الشهداء القائمون بالقسط – الشاهدون القائمون بالقسط : آل عمران/18
شهادة الله [الشهادة الإلهية ] : البقرة/ 204, آل عمران/98
- الشهادة المصطفاة – الشهود المصطفون: البقرة/143, الحج/78, النساء/41
- الشهادة العظمى – الشهادة الكبرى : الأنعام/19
- المشهد العظيم : مريم/37
- شهادة الذات على الذات[ الشهادة الذاتية ]: الأنعام/130, الأعراف/37, 72, النور/24, يس/65 فصلت/20, 22, الزخرف/86, الأحقاف/10
الشهادة النفاقية – الشهادة الزائفة – شهادة الزور: الفرقان /72 الشهادة الكاذبة: المنافقون/1, التوبة/107
- الشهادة الإقرارية : آل عمران/81, البقرة/84
- القرار الاستشهادي : البقرة/84
- أنصار الله الشاهدون : آل عمران/52
- القوامون الشاهدون : المائدة/8
ـ الشاهدون على الناس : الحج/78
وفي الختم قال تعالى :
{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوۡلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوۡلَئِكَ أَصۡحَابُ الۡجَحِيمِ } الحديد/19
..فالذين آمنوا هم عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم المطهرون وهم الصادقون والصديقون وهم الشاهدون والشهداء وفيهم وردت عليهم السلام آيات {وَكُونُوا۟ مَعَ الصَّادِقِينَ }
وقد جاء في الحديث: (علي الصديق الأكبر والفاروق الأعظم) وهو أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وآله باتفاق أهل الحديث والسير والتاريخ . وكما في كتابنا الغيبة :
كتابنا : الغيبة في المفهوم الشرعي والسياسي ص 125 ط 1/1993:
[ الشهادات وأشكالها ]
نؤكد : أن تجاوز حالة الإفك السياسي والمنهجي هي التي تعطي للشهادة مفهومها البنائي والإنساني ولنهضتنا المهدوية المقبلة أسسها وشروطها نحو الكمال ونحو المجد ..
تم بحمد تعالـــى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصلى الله عليه وعلى آله الطاهرين المنتجبين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلمي أخوكـــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ والمفكر الاسلامي التجديدي
محمد حسني البيومي
الهاشمـي
**************
أهل البيت عليهم السلام
فلسطين المقدسة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بتاريخ : 13 شوال 1431 هجرية
21 سبتمبر 2010 ميلادية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت الدراسة بحمد الله تعالى وتوفيقه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق